تراثنا كيف نعرفه - حسين مروة |
تسود في التأريخ العربي الإسلامي القراءة المثالية الجزئية - العقائدية -، ففي التدريس الحكومي لم تتح مادة التربية والتعليم لنا من المعرفة بهذا التاريخ الواسع سواء معرفيا أو إجتماعيا الا ما يتيحه صحيحي البخاري ومسلم، كونهما الممثلين لطائفة النظام الرسمي.
من ناحية أخرى لا تتيح المدرسة الجعفرية في نظامها المثالي معرفة التراث وتفسير حركاته المعرفية والإجتماعية إلا بالرجوع لمعرفة العلاقة بينها وبين أئمة الطائفة، فيكون المرجع في معرفة الكل هو الجزء من التاريخ وعلاقته بالحركات الأخرى. فيصرح على سبيل المثال الشيخ الفياض: "لقد سمعنا بأن العرفان يدرس في هذه الحوزة على ضوء عقيدة ابن عربي، وهذا يعد خطر على الحوزة وطلابها، فإن كل من قرأ هذا الكتاب يعتبر كافر زنديق" من هنا يكون الدافع في حماية النظام العقائدي، حمايته من كل ما هو خارج إطاره المعرفي وإن كان في التراث نفسه. وقد ظهرت بعض الجهود الفردية في قراءة التراث والتوسع في قراءة تاريخ علم الكلام الإسلامي وفلسفته، إلى شذوذ بعض الأفراد عن القاعدة، فحكم عليه بالكفر من بعض رموز الطائفة، او بإخراجه من الملة كصدر الدين الشيرازي.
في منتصف القرن العشرين بزغ فجر جديد في
التأريخ, حمل معه هموم النقله من التعامل مع التراث بشكل جزئي إلى وجه تعامل كلّي
أو شمولي, وهو المفكر، بل كما يعطيه البعض الفيلسوف اللبناني حسين مروة. درس حسين
مروّة في الحوزة العلمية في النجف وجمعت بينه وبين المرجع محمد حسين فضل الله
علاقة صداقة وطيدة، وبقيت هذه العلاقة الوطيدة بين الأثنين حتى بعد منتصف القرن
العشرين عندما خلع حسين مروة لباس الدين ولبس لباس الأدب والفلسفة, فسار على خطاه
مؤرخون عديدون, منهم (الطيب تيزيني) و (هادي العلوي) الذي يقول في بداية أحد كتبه: "وما أنا في أحسن حالاتي الا ومضة من ومضاته".
:: تراثنا.. كيف نعرفه :: لماذا هذا الإسم؟..
يقول الكتاب وقبل أن تبدأ المقدمة:
"التراث هو التراث نفسه, لا يتكرر ولا يتعدَّد.. ولكن معرفته هي المتعددة
بقدر ما تتعدد البُنى الفكرية التي بها يُقرأ التراث. ليس من باحث يبحث عن معرفة
للتراث, إلا وهو يحاول أن ينتج معرفة عن التراث (تَتَكَّيَفْ) مع بنائه الفكري, أو
مع منطلقاته الآيدلوجية.. فصول هذا الكتاب هي أيضاً تبحث عن معرفة لتراثنا
الفكري.. لكن (كيف) هي هذه المعرفة؟
-
هي المعرفة التي تجيئنا من (الكيفية) الواقعية التاريخية
التي كوَّنَتْ عناصر التراث في بيئتها الإجتماعية وفقا لفعل القوانين التي تنظَّم
حركة صيرورتها, بعملية ليست خارج التاريخ - غيبية -, بل هي جوهر حركة التاريخ - أي
من واقع الصراع المحتدم -.
وقبل أن نبدأ بسم الله في قراءة هذا الطرح
العميق الذي قررت أن أقرأه في أيام إجازتي, نقول بأن حسين مروة هو ليس الا واحد من التقدميين
الذين تمنو للبشرية حياة أفضل فإنتهى بهم المطاف الى مشانق الإغتيال الفكري, وله
مجلد واسع من أربع أجزاء إستغرق ما يقارب ٤ عقود - الخمسينات إلى الثمانينات - يعرض فيه التاريخ من الجاهلية وصدر الإسلام، الى ما بعد
العصر العباسي تحت عنوان "النزعات المادية في الفلسفة العربية
الإسلامية" والذي يرجح أنه أغتيل بسبب طرحه ذاك. والذي نتمنى أن نطلع عليه في
المستقبل.