في يوم الأحد الموافق ٢٥ سبتمبر ٢٠١٦ أُغتيل الكاتب
الأردني ناهض حتر أمام قصر العدل بالعاصمة الأردنية عَمّان بسبب كاريكاتور
اعتُبِرَ بأنه يسيء للذات الإلهية، وبلغة الرصاص البارد ذاتها التي أُغتيل بها
الشهيد المفكر اللبناني حسين مروّة في شقته، والشهيد مهدي عامل في الشارع الوطني
في بيروت؛ لتؤكد لنا هذه اللغة بأن ذاتها الإلهية ضيقة ومتضخمة وضد الإنسان، ولا
تعني ذاتهم تلك شيئا للغة الذات الإلهية الرحيمة المنزهة عن كل فعل دموي قابض
بالحديد والنار على لغة العقل وحريته، وذاتهم تلك لشبيهة بالذات الأميرية
السلطوية، لها العرش الذي لا يمس، وإن حق واقتربت منه توأد حياً، تُكبل، أو تُشنق.
لم يكن من المخطط كتابه هذه المقالة ونشرها؛ إلا أن ردود
الفعل السلبية في كثير من وسائل التواصل الإجتماعي، والأخرى التي نصادفها يومياً
من الآراء المؤيدة لإعدام ناهض دفعتني للكتابة، كما أنها تبين بأن المؤيدين لمثل
هذا الفعل كما قال ناهض حتر في رده على من لم يفهم رسمه الكاريكاتوري نوعان: (أناس طيبون لم يفهموا المقصود بأنه سخرية من الإرهابيين
وتنزيه للذات الإلهية، وآخرون إخونج داعشيون يحملون الخيال المريض نفسه لعلاقة
الإنسان بالذات الإلهية)... فالذات الإلهية لم تُمس ولا تُمس، إنما هو مسَّ ذاتهم
التكفيرية الشهوانية، التي تنتهي قدسيتها بالظفر بالجنة وخمرها وحورياتها ولذائذها
الحسية، ولهذا لم يردوا على ناهض بذات لغة الفكر والعقل إنما بالرصاص الذي تبيحه
ذاتهم تلك، وهذا هو الفرق بين ذاتهم الإلهية
والذات الإلهية المنزهة التي تحترم كرامة الإنسان، ولهذا قال ناهض في مقابلة له على
قناة "OTV": (اليوم لا يوجد إسلام واحد، هناك
إسلام دمشقي، وصوفي، وسلفي غير جهادي، و إسلام وهابي تأسس مع الدولة السعودية)
فبالنسبة لنهاض لا يمكن أن نساوي بين الإسلام الصوفي الذي يقول فيه ابن عربي: بأن
الحق في هدم النشأة لا يحق إلا لله، ويحرم قتل الإنسان لأخيه الإنسان، وبين الإسلام السلفي التكفيري الجهادي
الذي ينصب نفسه على عرش الله ويسفك الدماء.
كان ناهض يساريَ الفكر، مسيحيَ الولادة، قومياً-علمانياً في
السياسة، هكذا وصف نفسه على مقالة نشرت له في العام ٢٠١٢ على موقع
"ساتل" بعنوان "انتصارا لرمزنا القومي". لم يمنعه كل ذلك من
أن يكون أول المدافعين عن النبي محمد ضد كيل الإساءات وأن يقرأ شخصيته في سياقها
التاريخي، قائلا: (ولدت في عائلة مسيحية، وأنا ماركسي في الفكر، وقومي علماني في
السياسة، وبسبب كل ذلك –ليس برغمة- تجرحني الإساءة للرسول) وأضاف أيضا..: (ليس
قساً أمريكياً صهيونياً أو مجرد جمع متطرف من يرتكب ذلك العدوان على رمز أمتنا، بل
هو تيار عريض من الغرب عامةً، وفي الولايات المتحدة خاصة، يعبر عن انحطاط
الإمبريالية الأمريكية الروحي والثقافي والفكري). وأضيف أنا إلى جانب ذلك تيار
عريض من المثقفين الغرباويين العرب الذين
سَخَّروا جل كتاباتهم من أجل ترسيخ فكرة الكراهية والحقد وإبعاد الناس عن جذورهم
الثقافية المتعلقة بالتاريخ العربي الإسلامي والإشادة بكل ما هو غربي ففي كل تراث
وثقافة هناك الغث والسمين، ويخلطون بين الثقافة الحديثة التي هي نتاج الإنسانية جمعاء وبين الثقافة الغربية الإمبريالية الوحشية منذ المدرج الروماني وحتى حروب الإبادة ضد السكان
الأصليين للقارة الامريكية.
لماذا أغتيل ناهض حتر؟... يقال: (أينما وجدت مثقفاً
مضطهداً فابحث عن سبب اضطهاده في السياسة لا في الفكر الخالص). فمن حرض على قتل
ناهض يعرف توجهه السياسي جيداً، ففي بقعة يتعذر فيها أن نجد صوتاً، كان الوحيد
ربما الذي قدم إعتذار للشعب البحريني في العام ٢٠١١ لأنه أردني أولاً وعربي
ثانياً، ووجه نقداً لاذعا للحركة الوطنية الأردنية التي لم تفعل شيئاً ذا بال حسب قوله، وكان معارضاً
صلبا ضد تطبيع العلاقات العرب-إسرائيلة في الكثير من كتاباته منذ تواطؤ السادات ١٩٧٧م وحتى
الحرب على سوريا اليوم... هذا هو السبب في اغتيال ناهض وهو السبب نفسه لاغتيال
مهدي عامل والسبب نفسه في بقاء الكثير من اعوان الظلمة ممن يسيئون فِعلاً للذات
الإلهية من داخل الإسلام وخارجه لا يمسهم الرصاص، ولا قوانين الإعدام. سلام لروح ناهض الإنسان الإنسان، وتقبله الله شهيداً.