الشيخ محمد مهدي الخالصي |
لفت انتباهي وأنا أقرأ في كتاب حسين علي الجبوري: "تطبير الرؤوس وتجريح الأجساد تفجعاً على مصرع الحسين" حديثه عن شخصية الشيخ محمد مهدي الخالصي (١٨٨٨-١٩٦٣م) من مواليد الكاظمية بالعراق، حيث كان هذا الأخير واحداً من قواد ثورة العشرين ضد الاحتلال الإنكليزي في بداية عشرينيات القرن المنصرم.
كان موكب الخالصية الذي ينتمي جماهيره لمحمد الخالصي يخرج في الكاظمية مع مواكب العزاء، فلا يقوم جمهوره بالرغم من مروره بجانب المواكب الأخرى بتمثيل واقعة الطف (التشبيهات)، ويمتنعون عن التطبير وضرب الزناجيل، لأنهم يعتقدون حسب رأي شيخهم بأنه لا يجوز ممارستها.
ولتسليط الضوء على هذه الشخصية الجدلية يذكر الجبوري أن الشيخ محمد الخالصي هو مجتهد ضمن مرتبة آيات الله، وتتلمذ على يد والده الشيخ مهدي الخالصي ومجموعة من مراجع زمانه فحاز على درجة الاجتهاد في سن مبكرة، وحارب الاحتلال الإنكليزي سنة ١٩١٤م تحت إمرة والده، وعلى إثر ذلك ذهبت عينه اليمنى في القتال. ولما فشلت ثورة العشرين في دحر الاحتلال نفاه الإنكليز إلى الحجاز ثم إيران، وبقى في المنفى ٢٦ عاماً. وهناك أحدث إصلاحات عديدة وأصدر العديد من المجلات حيث كان يجيد الفارسية والتركية والفرنسية بالإضافة إلى لغته العربية. وكانت منشوراته جميعها تهدف لوحدة المسلمين تحت شعار لا شيعة ولا سنة، وعندما عاد إلى العراق قام بعدة أمور مهمة ومثيرة من بينها الدعوة لوحدة العراقيين ونبذ الطائفية ثم أصدر فتوى بتحريم الشهادة الثالثة في الأذان (أشهد أن عليا ولي الله) ووردت في كتابه "الاعتصام بحبل الله" نقاشات بينه وبين مشايخ آخرين، ويجد الخالصي أنه لا أصل لهذه الشهادة في سنة النبي وأئمة أهل البيت، وكل ما ليس له أصل عندهم في نظره هي بدعة يحرم القيام بها. وربما أضافها المذهب الشيعي بعد ذلك ليثبت أن الإمامة أصل من أصول الدين، فلا يصح إسلام المرء إلا بها، فضلا عن صلاته. ثم نزه الشعائر الحسينية مما يعتقد أنه من البدع المستحدثة، كالتشبيه واللطم والتطبير. وعند وفاته اشترك في تشييعه جمع غفير من السنة والشيعة ودفن في حجرته في الصحن الكاظمي.(١)
كان موكب الخالصية الذي ينتمي جماهيره لمحمد الخالصي يخرج في الكاظمية مع مواكب العزاء، فلا يقوم جمهوره بالرغم من مروره بجانب المواكب الأخرى بتمثيل واقعة الطف (التشبيهات)، ويمتنعون عن التطبير وضرب الزناجيل، لأنهم يعتقدون حسب رأي شيخهم بأنه لا يجوز ممارستها.
ولتسليط الضوء على هذه الشخصية الجدلية يذكر الجبوري أن الشيخ محمد الخالصي هو مجتهد ضمن مرتبة آيات الله، وتتلمذ على يد والده الشيخ مهدي الخالصي ومجموعة من مراجع زمانه فحاز على درجة الاجتهاد في سن مبكرة، وحارب الاحتلال الإنكليزي سنة ١٩١٤م تحت إمرة والده، وعلى إثر ذلك ذهبت عينه اليمنى في القتال. ولما فشلت ثورة العشرين في دحر الاحتلال نفاه الإنكليز إلى الحجاز ثم إيران، وبقى في المنفى ٢٦ عاماً. وهناك أحدث إصلاحات عديدة وأصدر العديد من المجلات حيث كان يجيد الفارسية والتركية والفرنسية بالإضافة إلى لغته العربية. وكانت منشوراته جميعها تهدف لوحدة المسلمين تحت شعار لا شيعة ولا سنة، وعندما عاد إلى العراق قام بعدة أمور مهمة ومثيرة من بينها الدعوة لوحدة العراقيين ونبذ الطائفية ثم أصدر فتوى بتحريم الشهادة الثالثة في الأذان (أشهد أن عليا ولي الله) ووردت في كتابه "الاعتصام بحبل الله" نقاشات بينه وبين مشايخ آخرين، ويجد الخالصي أنه لا أصل لهذه الشهادة في سنة النبي وأئمة أهل البيت، وكل ما ليس له أصل عندهم في نظره هي بدعة يحرم القيام بها. وربما أضافها المذهب الشيعي بعد ذلك ليثبت أن الإمامة أصل من أصول الدين، فلا يصح إسلام المرء إلا بها، فضلا عن صلاته. ثم نزه الشعائر الحسينية مما يعتقد أنه من البدع المستحدثة، كالتشبيه واللطم والتطبير. وعند وفاته اشترك في تشييعه جمع غفير من السنة والشيعة ودفن في حجرته في الصحن الكاظمي.(١)
تمثلت عندي وأنا أقرأ حول شخصية الخالصي صورة الشيخ أحمد الوائلي الذي كان يدعو لوحدة الأمة وينبذ الطائفية، وللشيخ قصيدة طويلة أنقل منها أجزاء متفرقة في توصيفيه للطائفية حيث يقول:
"وَلَجَتْ حِماكَ وفي النفوس مخططٌ..وأُعيذُ قومي من لظاها المُروِعُ
وهي التي إن أوترت أقواسها..في غلفة فأنا وأنت المصرعُ
فدماؤنا امتزجت سواءَ ولم تكن..فِرَقَا يصنفها الهوى ويُنَوِّعُ
ومشت تصنفنا يد مسمومةٌ..متسننٌ هذا وذا متشيِّعُ"
وكذلك أيضا نبذ الوائلي الطقوس التي دخلت حديثا على مذهب الشيعة حيث يرى أنها شوهت رسالة الحسين واختزلتها في نواحي ضيقة مهملةً الصراع الكبير الذي خاضته هذه الشخصية.
وعلى غرار زيد بن علي كان كل من الخالصي والوائلي، ففي سنة ١٢٢هـ اجتمع حشد من الناس في كوفة العراق حول زيد للثورة على الوالي الأموي هشام بن عبدالملك، وزيد هو أخو محمد الباقر الإمام الخامس للشيعة الإمامية، وهو عم جعفر الصادق المؤسس الفعلي للمذهب الإمامي الأثني عشري، إلا أن جمهور الصادق والموالين له رفضوا المشاركة في ثورة زيد لأن زيداً كان يرى أن فضل علي بن أبي طالب لا يستلزم إدانة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وحين أصر الجمهور الأثنا عشري أن يدينهما رفض فرفضوا مشاركته ثورته، وكذلك فعل شيعة العباسيين فأمر داعيتهم "بكير بن ماهان" بمقاطعة الحركة وتحذير الناس منها لأسباب حزبية. أما أبو حنيفة النعمان المؤسس لأهم المذاهب السنية وأكثرها تقدما فقد أيد ثورة زيد وبايعه وأمد الجيش الثائر بعشرة آلاف درهم.(٢) مسكين أبو حنيفة هذا فلا السنة يعرفون قدره لأنه ناصر العلويين فيحيون تراثه الفقهي، ولا الشيعة يحيون ذكره أو يزورون قبره لأنه ليس فقيها شيعياً. وبالرغم من أن أبا حنيفة كان ركنا من أركان المعارضة للأمويين والعباسيين ولم ينغمس كثيرا في المجادلات العقائدية، إلا أن الباحث العراقي علاء اللامي ينقل عن أحد المثقفين النجفيين أن والده وكان شيخا معمما أراد أن ينشر هذه الحقائق عن أبي حنيفة فمنعوه ولم يتجرأ على مخالفتهم، وكان عالم اللغة والباحث في التراث هادي العلوي قد نشر هذه الحقائق فأمر خطباء الجمعة في لبنان بقطع يده. هذا ما يفعله التحزب الطائفي في كلا الجانبين: إخفاء الحقائق، خوفا على الخلائق. وبالأحرى خوفا من أن يخرج الناس عن قبضتهم أو أن يخرجوا على مسلماتهم التي بها يسيِّرون الجماهير داخل فلكهم السياسي.
ـــــــــــــــــــــــ
(١) تطبير الرؤوس وتجريح الأجساد تفجعا على مصرع الحسين، حسين علي الجبوري، ط: الوراق للنشر ٢٠١٦، ص٧٥
(٢) المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة، هادي العلوي، ط: دار المدى ٢٠١٤، ص١٠٦