كنّا في أحد الجلسات العائلية, وبدأ حوار وكان يحضر المجلس المحافظ والغير محافظ. سألني أحدهم من مقلدك (مرجعك الديني).
كما هو معروف عند الطائفة الشيعية بأن الدين لا يكتمل إلا بتقليد رجل دين تذهب إليه في المسائل الفقهية المتعلقة بالحلال والحرام والمستحسن والمكروه.
فما أن أجبت بأني (خارج التقليد) حتى نظر إليّ السائل نظرة إستيحاش.
فطرح علي: لماذا أنت خارج التقليد؟
كان جوابي مختصرا بعيد عن الجدال الديني: أن أكون داخل التقليد يعني أنني لا أستطيع التفكير إلا من خلال عقل آخر, يعني أن أكون نسخة مكررة لأحدهم. في حاله جمود يتجرد فيها العقل من مهنته واضعا أياها في يد فعل نتيجة أمر.
كانت بداية علاقتي بالقراءة باحثاً عن حرف يثري قناعاتي, حتى تعرفت على دكتور الفلسفة علي الديري, وبالرغم أنه من أبناء القرية إلا أنني لم ألتقيه إلا من خلال كتابه, وهو ومنذ حاله الطوارئ التي عاشتها البلدة لأشهر بعد فض إعتصام فبراير ٢٠١١ يعيش المنفى، وقد ألّف الديري مؤخرا (كيف يفكر الفلاسفة؟)
قبل إسبوع إقتنيت كتابه (خارج الطائفة) وهو كتاب يهدف لتوسيع مدارات الأفراد الفكرية جاعلا من الطائفة إطاراً يشتغل عليه، لا هوية يستند إليها. محددا في بدايته الأبعاد السياسية والإجتماعية والإنثروبولوجية للصراع الديني والسلطة الدينية والطائفية.
ذهب الكاتب بإسهاب في كتابه (خارج الطائفة) وفي الفصل الأول تحت عنوان (خارج التقليد) صفحة ٥٣ إلى الفرق بين تقليد الفقيه وصداقة المفكر، وذلك حسب قوله عندما أتهمه أحدهم قائلا: (أنت خرجت من تقليد الفقيه ووقعت في تقليد أركون)، يقول:
من المهم أن نحول التهمة سؤالاً كي نتحول من مقام الدفاع وما يقتضيه من منافحة وجدال ورغبة في الغلبة، إلى مقام البيان وما يقتضيه من توضيح وكشف وفتح وفهم وإستشراف. وأقترح أن يكون السؤال: ما الفرق بين علاقتك بالفقيه وعلاقتك بأركون؟ أو بصيغة أكثر تعميماً وأكثر تحيزاً، مالفرق بين تقليد الفقيه وصداقة المفكر؟ هل يمكن أن يكون الفقيه صديقا؟
فيبدأ بالتوضيح بعدها:
العلاقة مع الفقيه محكومة بقانون الماهية (تحديد ما أنت)، والعلاقة مع المفكر محكومة بقانون التصيير (تصييرك شيء آخر). قانون الماهية يفرض عليك أن تكون هو، وهذا يتطلب أن تكون حقيقتك ثابتة وأبدية وأن تكون نسخة من الفقيه، نسخة من فعل (أمره). أن تكون ماهيتك محددة بصرامة أوامره، فالفقيه يختزل النص الديني في فعل الأمر الذي يتحدد من خلاله الحلال والحرام والمستحب والمكروه. وأنت أو ماهيتك أو حقيقتك محددة بمحددات فعل الأمر هذا.
وبعدها يذكر في الصفحة ٥٤ - ٥٥:
علاقتك مع الفقيه تقوم على التقليد، تقلد (فعل أمره) وتمتثل لأحكامه، وترهن كلك به، وعلاقتك مع المفكر تقوم على الصداقة، تصادق مفاهيمه، وتتمثل عوالمه، وتفتح كلك به، وتتصرف في العالم من خلالها. أحكام الفقيه أقفال، ومفاهيم المفكر مفاتيح، تلك تغلق العالم وتماهيه حد التطابق وهذه تفتح العالم وتصيره حد الإختلاف. إمتثالك للأحكام يغلقك وتَمَثُّلك للمفاهيم يفتحك، مع الفقيه أنت تقع في حكم نهائي، ومع المفكر أنت لا تقع في بل أنت تقع على، تقع على ما يفك محكماتك ويخرجك من كينونتك الأحادية.
وهكذا يكون الخروج السليم في نظر علي الديري ليس براءة ولا عقدة ولا إستنكاف، بل أنت تخرج من نطاق ضيق ومنغلق في تقليد الفقيه إلى نطاق أوسع؛ صداقة المفكر. خارج التقديس داخل الفكر تتحول العلاقة من خضوع وسيادة إلى صداقة ونقد، فقد تكون صديقا للمفكر ولكنك تتحرر من التقديس فيحق لك أنتقاده والخروج عليه والدخول في فكر أوسع.
من هنا كان يقول هادي العلوي في مداراته أن الإنسان يتغير بإستمرار، وحده المنافق والمرائي لا يتغير. لا يمكن أن يكون الباحث ثابتا، فعندما يتحرر الإنسان من السلطة المطلقة للحقائق يصبح قابل لكل صور الحق في الموجودات. فيكون هو بنفسه مجموعة من الحقائق. ليخلق فكرا جديدا، وهذا ما إنتهى إليه العلوي دامجا بين التراث الإسلامي والتاو في الصين والماركسية، فأنتج فكر جديد وهو الفكر المشاعي الخاص بالمدارس أو العلوم الثلاثة معا. من هنا أنا خارج التقليد الأضيق داخل الفكر الأوسع والمنفتح على العالم الآخر. خارج التماهي داخل التصيير.
أنا أفكر إذن أنا موجود - ديكارت
كنّا في أحد الجلسات العائلية, وبدأ حوار وكان يحضر المجلس المحافظ والغير محافظ. سألني أحدهم من مقلدك (مرجعك الديني).
كما هو معروف عند الطائفة الشيعية بأن الدين لا يكتمل إلا بتقليد رجل دين تذهب إليه في المسائل الفقهية المتعلقة بالحلال والحرام والمستحسن والمكروه.
فما أن أجبت بأني (خارج التقليد) حتى نظر إليّ السائل نظرة إستيحاش.
فطرح علي: لماذا أنت خارج التقليد؟
كان جوابي مختصرا بعيد عن الجدال الديني: أن أكون داخل التقليد يعني أنني لا أستطيع التفكير إلا من خلال عقل آخر, يعني أن أكون نسخة مكررة لأحدهم. في حاله جمود يتجرد فيها العقل من مهنته واضعا أياها في يد فعل نتيجة أمر.
كانت بداية علاقتي بالقراءة باحثاً عن حرف يثري قناعاتي, حتى تعرفت على دكتور الفلسفة علي الديري, وبالرغم أنه من أبناء القرية إلا أنني لم ألتقيه إلا من خلال كتابه, وهو ومنذ حاله الطوارئ التي عاشتها البلدة لأشهر بعد فض إعتصام فبراير ٢٠١١ يعيش المنفى، وقد ألّف الديري مؤخرا (كيف يفكر الفلاسفة؟)
قبل إسبوع إقتنيت كتابه (خارج الطائفة) وهو كتاب يهدف لتوسيع مدارات الأفراد الفكرية جاعلا من الطائفة إطاراً يشتغل عليه، لا هوية يستند إليها. محددا في بدايته الأبعاد السياسية والإجتماعية والإنثروبولوجية للصراع الديني والسلطة الدينية والطائفية.
ذهب الكاتب بإسهاب في كتابه (خارج الطائفة) وفي الفصل الأول تحت عنوان (خارج التقليد) صفحة ٥٣ إلى الفرق بين تقليد الفقيه وصداقة المفكر، وذلك حسب قوله عندما أتهمه أحدهم قائلا: (أنت خرجت من تقليد الفقيه ووقعت في تقليد أركون)، يقول:
من المهم أن نحول التهمة سؤالاً كي نتحول من مقام الدفاع وما يقتضيه من منافحة وجدال ورغبة في الغلبة، إلى مقام البيان وما يقتضيه من توضيح وكشف وفتح وفهم وإستشراف. وأقترح أن يكون السؤال: ما الفرق بين علاقتك بالفقيه وعلاقتك بأركون؟ أو بصيغة أكثر تعميماً وأكثر تحيزاً، مالفرق بين تقليد الفقيه وصداقة المفكر؟ هل يمكن أن يكون الفقيه صديقا؟
فيبدأ بالتوضيح بعدها:
العلاقة مع الفقيه محكومة بقانون الماهية (تحديد ما أنت)، والعلاقة مع المفكر محكومة بقانون التصيير (تصييرك شيء آخر). قانون الماهية يفرض عليك أن تكون هو، وهذا يتطلب أن تكون حقيقتك ثابتة وأبدية وأن تكون نسخة من الفقيه، نسخة من فعل (أمره). أن تكون ماهيتك محددة بصرامة أوامره، فالفقيه يختزل النص الديني في فعل الأمر الذي يتحدد من خلاله الحلال والحرام والمستحب والمكروه. وأنت أو ماهيتك أو حقيقتك محددة بمحددات فعل الأمر هذا.
وبعدها يذكر في الصفحة ٥٤ - ٥٥:
علاقتك مع الفقيه تقوم على التقليد، تقلد (فعل أمره) وتمتثل لأحكامه، وترهن كلك به، وعلاقتك مع المفكر تقوم على الصداقة، تصادق مفاهيمه، وتتمثل عوالمه، وتفتح كلك به، وتتصرف في العالم من خلالها. أحكام الفقيه أقفال، ومفاهيم المفكر مفاتيح، تلك تغلق العالم وتماهيه حد التطابق وهذه تفتح العالم وتصيره حد الإختلاف. إمتثالك للأحكام يغلقك وتَمَثُّلك للمفاهيم يفتحك، مع الفقيه أنت تقع في حكم نهائي، ومع المفكر أنت لا تقع في بل أنت تقع على، تقع على ما يفك محكماتك ويخرجك من كينونتك الأحادية.
وهكذا يكون الخروج السليم في نظر علي الديري ليس براءة ولا عقدة ولا إستنكاف، بل أنت تخرج من نطاق ضيق ومنغلق في تقليد الفقيه إلى نطاق أوسع؛ صداقة المفكر. خارج التقديس داخل الفكر تتحول العلاقة من خضوع وسيادة إلى صداقة ونقد، فقد تكون صديقا للمفكر ولكنك تتحرر من التقديس فيحق لك أنتقاده والخروج عليه والدخول في فكر أوسع.
من هنا كان يقول هادي العلوي في مداراته أن الإنسان يتغير بإستمرار، وحده المنافق والمرائي لا يتغير. لا يمكن أن يكون الباحث ثابتا، فعندما يتحرر الإنسان من السلطة المطلقة للحقائق يصبح قابل لكل صور الحق في الموجودات. فيكون هو بنفسه مجموعة من الحقائق. ليخلق فكرا جديدا، وهذا ما إنتهى إليه العلوي دامجا بين التراث الإسلامي والتاو في الصين والماركسية، فأنتج فكر جديد وهو الفكر المشاعي الخاص بالمدارس أو العلوم الثلاثة معا. من هنا أنا خارج التقليد الأضيق داخل الفكر الأوسع والمنفتح على العالم الآخر. خارج التماهي داخل التصيير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق