الاثنين، 13 أبريل 2015

الأبعاد الفلسفية لفيلم بي.كي (PK)

غلاف الفيلم




كانت الكلمات الأخيرة في الفيلم بمثابة الرسالة الرئيسية. والذي يصنف ضمن أفلام الدراما الكوميدية الرومانسية وهو من إخراج وتأليف (راجكومار هيراني) ولكننا نظلم الفيلم حين نشاهده كأي مشاهد لدافع الاستمتاع ونهمل الرسالة الفلسفية له. وهي رسالة إنسانية جريئة أراد المخرج إيصالها بإسلوب درامي، وكانت المناقشة الأخيرة بين الممثل (ساوراب شاكلا) الذي مثل دور رجل الدين الهندوسي (تاباسيو) و الممثل (أمير خان) الذي قام بدور "بي.كي" هي الأكثر حزما والفكرة النهائية التي أراد أن يقدمها المخرج، وهي مناقشة تعبر تعبيرا صريحا عن الفكر الربوبي عند الفلاسفة القدماء.



نص المناقشة (مترجم)



يبدأ تاباسيو بالحديث، قائلا: "الرب قال إبني معبدا، و بي كي يقول لا تقوموا ببناءه، لمن يجب أن ننصت؟ هل هو إله أم مجرد رجل؟! أولا قال لا يمكن إيجاد الرب، ثم قال إن الرب محتال! غدا ربما سيقول إن الرب قد مات!... يا فتى ما الذي تريد، عالم لا يوجد به رب؟! وأنت تقول أنك تتأذى من مآسي الناس وأن بعضهم لا يملك خبز ليأكله؟! والبعض ليس لديه سقف يأويه؟ هؤلاء من ليس لديهم صديق حتى يتحدثون معه؟!... هل تعرف كم من الناس يقتلون أنفسهم بقطع معصمهم أو شنق أنفسهم.. لماذا يقومون بذلك؟!... لأن ليس لديهم أمل. وعندما يأتي الرب ويضع نقطة على جبينهم وخيطا حول معصمهم ويعطيهم الأمل في الحياة فمن أنت حتى تسلب هذا الأمل منهم؟ وإن كنت حقا تريد أن تنتزع الرب من حيوات هؤلاء الناس أخبرني من ستعطي لهم بديلا..."

بعد صمت طويل يرد -بي. كي- في حزم وحزن: "أنت على حق يا تباسيو، هناك أحيانا لم أجد فيها الطعام أيضاً، ولم أجد منزلا ليأويني بكيت كثيراً فليس لدي أصدقاء حتى. لدي شيء واحد فقط -إله-. كل يوم كنت على يقين أن الغد سيكون أفضل، أن إلهي سيخرجني من ضيقي بشكل ما. أنا أقر بذلك. أنا أثق بربي وهو من يعطيني الأمل، سأتغلب على الصعاب بالقوة والإرادة التي يمنحني إياها. لكن لدي سؤال واحد فقط: أي إله يمكنني أن أثق به؟ تقولون جميعا أن هناك رب واحد، أنا اختلف معكم هناك إلهان؛ إله قد خلقنا جميعا وإله أنتم خلقتموه، نحن لا نعرف شيء عن الإله الذي خلقنا، لكن الإله الذي خلقتموه يشبهكم تماما"



إلتفاته


نقطة قد تحسب للفيلم أو عليه. وهو الطابع الكوميدي الذي يرى البعض أنه لا يرقى لجدية الرسالة التي أراد تقديمها. وبعض آخر يجد أن الطابع الكوميدي يضيف نوع من الهزل حول واقع النرجسية التي تصيب أهل الدين فيستعلون على الخلق بدينهم وكل يرمي الآخر بالجهل والتجريح والصراعات. لهذا اتهم الرازي أهل الدين بتجهيل الناس.



الفكر الربوبي في الاسلام


يعزوا الغربيون ظهور المذهب الربوبي إلى الإنجليزي هربرت أوف تشربري (١٥٨٣-١٦٤٨). ويؤكد اللغوي وباحث الفلسفة العراقي (هادي العلوي) هذا التزمين بالنسبة لظهور المصطلح لكنه كفكر كان يسبق تشربري بقرون إذ أقر به أبيقورس الإغريقي (٣٤١-٢٧٠ق.م) الذي أنكر الديانات وأكد وجود الآلهة وهو جوهر الربوبية. وكان الغنوصيون زهادا ربوبيون إذ كانوا يرون أن العالم من إنشاء الشيطان أو قوى الظلام نتيجة صراعها مع قوى النور أو الآلهة ومنها فسروا غلبة الشر على الخير في العالم وأعطوا الشياطين القدرة على صنع عالم مليئ بالشرور والصراع والفساد ونزهوا الآلهة عن صنعه فرغبوا عن مطالب الدنيا سعيا في طلب الحق الاسمى. ولم يستثني المعري الديانات في محاولاتها للوصول للحق بل جعلها سببا رئيسا للحروب والدماء والصراعات البشرية:

"إن الديانات ألقت بيننا إحنا     وأودعتنا أفانين العداوات"

ومن الربوبيين في حضارتنا العربية الإسلامية الفيلسوف أبو بكر الرازي الذي قال: "إن الحكمة كانت توجب أن يكون الإلهام مشاع بين الناس حتى يتساووا في المعرفة  ويتجنبوا التقليد. وهذا أفضل من أن يجعل بعضهم أئمة بعض فتصدق كل فرقة إمامها وتكذب غيره ويتخاصم الناس ويهلك بعضهم بعضا".
المتصوفة ربوبيون في جملتهم لأنهم يتذاهنون مع الحق مباشرة دون وساطات، وينقل عن إبن عربي في فصوص الحكم انه قال في الفص العاشر: "أياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه...فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها" وللجنيد قوله: "لون الماء لون إنائه" وفصله ابن عربي في قوله: "إن الإله هو عين الحق الذي يخلقه العبد في قلبه بنظره الفكري أو بتقليده وهذا الإله يتنوع حسب الاستعداد الذاتي للمحل -أي لصاحب الاعتقاد-". وسألوا إحدى المتعبدات الصوفيات: "كيف يوجد الحق" قالت: "وجدان الحق بلا كيف" لأن الكيفية تختلف باختلاف نظر الفرد للحق في قلبه. والتجربة الصوفية تجربة فردية تمثلت في أقطاب التصوف الأوائل وقد فقدت معناها حين تحولت إلى دين يجري على التقليد والدروشة مع بداية العصر العثماني.
يستنتج هادي العلوي في مداراته الصوفية عن الفص الأخير لابن عربي انه كان يقر بوجود إلهين. وهذا يذكرنا بما قال "بي.كي" في الفيلم: "إله الأديان الذي جاء بعد الانسان والذي يدخل قلوب المؤمنين لمحدوديته. والإله المطلق الذي يسبق الموجودات والذي لعدم محدوديته غاب عن الأفهام، ولم يبلغه الحرف، ولا يدركه مقام. وهو الوجود المطلق والوجود الحق بإختلاف أسماءه"


مصادر


الرحمن والشيطان - فراس السواح - فصل الغنوصيون.

شخصيات غير قلقة في الاسلام - هادي العلوي - فصل الرازي
مدارات صوفية - هادي العلوي - طبعة 1997 - ص 82


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق