|
صورة شخصية للشاعر عبدالإله الياسري |
- في شِعرهِ المنظوم
عندما تمتلئ المكتبات بالشِّعر ويُغَيِّب المنفى حضور الشاعر على الرَّف. لابد من مساحة للشاعر أو المفكر أو المناضل أو الأديب أو أي شخصية قد غابت عن مكانها او إدراكنا ولو من باب ان تكون تعويضة لما قد خفي...:
شراب غيري كأسٌ ملؤها الرّاحُ وملء كأسي متاهاتٌ وأتراحُ
ترتاح بالنــومِ أجفانُّ إذا تَعِبَتْ وأعيُني بإصطِحابِ النَّجمِ ترتاحُ
هذا هو مطلع قصيدة "أرق النجم-الغربة" التي تعبر عن غربة الشاعر الروحية وهمومه الإجتماعية الملتزمة بحب الخلق وليس كهم الأغيار من أصحاب السلطة الذين يركضون خلف الأرباح والجاه والشهرة. حيث يقول:
ولَيتَ همّي كَهَمِّ الناسِ مأدبةٍ وفيضُ مالٍ وكُرسِيٌ وأَرباحُ
وتنتهي القصيدة بهذين البيتين:
وَحدي بضجة ليلي صامتاً أبدا متى أصيحُ ويُجلي اللَيلْ إصباحُ
أنا الغريبُ بِجُرحٍ لا يُسَكِّنَهُ وَصلُ الحبيبِ ولا يأسوهُ جَرَّاحُ
وصدق د. سعيد عدنان حين قال: (من قرأ قصائده الأولى، أو سمعه يُنشِدُ شيئاً منها ظل يتسقط أخباره ويتطلب أشعاره). وكانت هذه أول القصائد التي سمعتها له؛ والتي ذُيِّلَتْ في كتاب مدرات صوفية للغائب الحاضر هادي العلوي فظلّت راسخة في مخيلتي واخذتها عنوانا اكتبه على صفحات دفاتري ومصادفة حين كنت أبحث عن قصائده توصلت إلى صفحة له على إحدى مواقع التواصل الإجتماعي فأحببت فيه روحه المتواضعة وحسه الإنساني. سَيُقال كيف عرفت ذلك من خلال وسيلة إفتراضية للتواصل. أقول لأنه لا يترك صغيرا ولا كبيرا إلا ويحيه ويشجع فيه الكتابه والإبداع.
وأقول أيها الياسري البعيد بالجسد القريب من الروح مهما غربت المنافي الطيور الجريحة تظل تحلق في سماء الحرية طالعة نحو قبلتها الأولى تحمل معها العراق اينما حلت فمن بغداد الى المغرب حتى كندا ما برحت تغنيها فقلت في "إنحناءات بين يدي بغداد":
ما للقناديل لم تُسرَج لقافِلَتي هل أوحَشَتها غيومُ الأرضِ أم صُوَري؟
ما للمرافئ لم تَضحَك لِأَشرِعتي وقَد تَحَطَمَ في آفاقِها كِبَري؟
تَمَخَضَ الجُرحُ عن آهٍ تُمَزِّقُني وأَعشَبِ الدَمعُ في كأسي وفي وَتَري
وردا على بغداد ووطننا العربي نقول إنه وإن لم تسرج لك القناديل في وطنك فإن آلاف القلوب تتوقد حين تسمع آلام هذا المعنى، وإن لم تضحك لك المرافئ فإن مئات الأفئدة تصبح مرافئ تستقر بها حين تشعر غربتك، وليس لهذا الإستقرار لشِعرك في الفؤاد إلا تمظهرا او تجليا لثنائية الألم والغربة التي إمتزجت بالمحبة والحنين في ذاتك:
ها أنا يا بَغدادُ جِئتُكَ ميتاً قِفي وإخلطي الحناء بالمدمع الهامي
- في شِعرهِ الحُر
1/
وقفت تتسول في باب القحط الغيمة
تتضرع تقرأ أدعية الغيثِ
والقحطُ لها يُقفِلُ سَمعه
لن تَكسِرَ فَرحَتهُ دمعه
والقَحَطُ يُهاجِرُ
وتَظَلُّ الغَيمةُ واقفةَ في البابِ الموصدِ خجلانه
2/
ما عاد العصفور يُزَقزِق
ما عاد لزقزقته من أفق
الآفاق إنغلقت
والمفتاح يصيرُ نَعيق
حول المقطعين علّق د. سعيد عدنان: (إن الغيمة السائلة هي العصفور الذي فقد زقزقته وهي الأفق المغلق كلها كان يُنبئ عما كان يكتنف الشاعر ويزيد من غربته ويريه ضيق الأفق وإنسداده).
3/
حيرانٌ عِطرُ القَدَّاح
ما بين الصَخرةِ والصَخرَة
لا الصَخرةُ يُورِقُ فيها الحِسُّ
ولا القَدَّاحُ يُخبِّئ عِطرَه
في هذه القصيدة يُشَبّه الشاعر نفسه بالقّداح وغربته الفكرية والروحية إضافة لغربة الوطن بعطر القدّاح ما بين صخرتين لا ينمو فيهم الحس ولا الشعور برائحة عطره الزاكي، ولكنه رغم كل هذا الواقع الأليم لا يُخَبِّئ عطره.
- بيتان
في حق الشاعر الياسري كتبت بيتان اقول فيهما:
كَم يَرفَعُ المال سُخفُ لا جمالَ به ولا حُسنُ ولا فِكرُ وإخلاقُ
ويُلحِقُ التاريخُ كم مِن عالِمٍ فَطِنٍ في حُقبَةِ الإهمالِ جَرَّ المَوتِ إلحاقُ
وذلك حين سألته: (لِمَ تَغيب أشعارك ودواوينك عن مكتباتنا تلك الأشعار التي تتغنى بالمرأة كروح وبالغربة الروحية في الوطن وخارجه في المنفى؟)
فإختصر عليّ قائلا: (أنا لا أريد الشهرة ولا أحب المنافسة بين الشُعراء. كذلك الطيور هي مثلي أو انا مثلها...).
تُرى كم تَغيب عن الكواكب عقول كالشاعر عبدالإله الياسري ولا نعرف عنها شيئا؟... بينما تُسمع أصوات النعيق بل وحتى النعيق لا يمكن أن يؤذي بشرا مثلما تفعل هي. ولم تُكثَر فيها الأصوات لأنها على الحق بل لأنها فقط تتلاءم مع الآيدلوجية المسيطرة. اما أنا أبحث عمّا هو غير ملائم أحيانا بل من لا حول له ولا قوة غير كلماتي أهديها له واكتب فيه أشعاري مستفردا في حق من لا صوت لهم غيري، ولست ممن يَشعَر ولكنه يخرج من تلقاءه حين يُصادف امثال هؤلاء الذين أسميهم أولياء بلا نبوءة، أو أنبياء لا ولي لهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق