الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

حول رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ

غلاف الكتاب
يذكرنا نجيب محفوظ في اولاد حارتنا بإبن المقفع في كليلة ودمنة وهي تجربة ادبية متقدمة استخدمت السرد الإيحائي في نقد الخليفة المنصور على لسان الطير والحيوان. وبالرغم من هذا الايحاء الغير مباشر في نقد الخليفة الا انه كان من السهل ان يعرف اي خليفة ما كان يقصد ابن المقفع من وراء إيحاءاته. وكانت نهايته المأساوية حيث قطعت اطرافه امامه واحرقت في قدر حتى مات عبدالله ابن المقفع امام القدر وهو ينزف دما.

هذا الايحاء السردي يُستخدم عندما يحاول الكاتب في ظروف قمعية نقد السلطة (سواء كانت سلطة سياسية او فكرية) وبالرغم من الاتهامات التي وُصف بها نجيب محفوظ من قِبَل رجال الدين أنذاك بسبب روايته، لا اجد أن الرجل غير مؤمن بالانبياء او انه يستهين بأفكارهم. بل على العكس هو حاول ان يقدم الاسباب الواقعية التي يتفاعل من خلالها عقل الفرد اي فرد كان يمتلك حسا انسانيا في ذلك الأوان من الوعي مقتحما السماء بقبضات عارية طامعا نحو تغيير واقع الظلم والقهر نحو واقع افضل مستعينا بقوى فوق طبيعية محايدة وبعيدة عن الصراع البشري. بهذا فإن لمحفوظ إيمانه الخاص في الانبياء وهذه وحدها لامعة من لوامعه الفكرية التي استطاع ان يوصلها بالايحاء، إذ نرى موسى في شخصية جبل الحاوي مهذِّب الثعابين. والمسيح في رفاعة الذي كان طبيبا شافيا للناس من الامراض الجسدية والروحية ميالا للفقراء ضد السلطات. كما ان لرفاعة نصيب من انقاذ حياة زانية حين تزوجها كتلك التي قال فيها يسوع عندما اراد الناس رجمها: من ليس له خطيئة فاليرمها بحجر. مرورا بالعشاء الاخير وخيانة يهوذا الاسخريوطي كتلك الخيانة التي كشفت فيها زوجة رفاعة أمره للفتوات.  وانتهاءً بتأسيس الديانة المسيحية بعد مقتل المسيح على يد الرسل الاربعة. حتى قيل ما قيل من القصص التي تفتق الخيال في شخص رفاعة، منها "ما تنوقل أن جثته ظلت ملقاه في الخلاء حتى حملها الجبلاوي ليواريها التراب في حديقته الغناء".
.
في النهاية، ربما يكون هذا مجرد تشابه في الشخصيات كما يؤكد نجيب محفوظ دائما حين يُطرح التساؤل حول روايته: "إن هذه الحكايات المسرودة هي هي حكاية احدى الحارات المصرية القديمة، لا كما يُراد لها من تأويل". وربما لا يكون نجيب محفوظ بريئا اذ هناك ما يكفي من مقاربات يستطيع حتى عقل الطفل الصغير ان يكتشفها. واذا ما قاربنا بين رواية نجيب محفوظ والثقافة العربية الاسلامية فإن نجيب لا يطعن في الانبياء بقدر ما يجعل منهم الأبناء الاكثر عبقريةً وحسا في وسطهم الاجتماعي. وهذا لا يُخفي ان له وجهة نظر مختلفة في حقيقة الإلهام السماوي (هذا اذا ما سعى عقل القارئ للمقاربة والتأويل).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق