لوحة: درويش صوفي |
مواقف من التصوف الإجتماعي:
-
يحكي أحد مريدي القطب عبدالقادر الجيلي أنه
مرة رآى شيخه يشتري دجاجة محمصة وخبزاً ومقبلات فهاله ما رأى: أيجوز من شيخنا أن
يأكل من هذا ونحن لا ندري؟ فتبعه من حيث لا يشعر به حتى إنتهى إلى منزل فدق بابه
فخرجت إمرأة عليها سيماء الفقر فدفع الدجاجة إليها وعاد من حيث أتى. فعلم المريد
أن شيخه لم يشترى الدجاجة لنفسه. (مدارات صوفية.. ص15)
-
ورد في ترجمة ابن عربي أن سلطان أرض الروم
التركي أعطاه قصراً منيفاً ثمنه مئة ألف درهم, فسكنه مدة ثم جاءه شحاذ يطلب منه
شيئاً فلم يكن عنده في تلك الساعة ما يعطيه فأعطاه القصر كله وخرج منه! (مدارات
صوفية.. ص183)
إن هذيان المتصوفة في الكلام هو نفسه هذيانهم في السلوك... وقد مر بنا من
جهة أخرى أنه كان يأخذ من السلاطين على خلاف أقطاب التصوف الإجتماعي الذين حرموا
العلاقة مع الدولة وأغيارها. لكن ابن عربي المنتمي لأقطاب التصوف المعرفي لم يحرم
على نفسه ذلك. إذ كان يأخذ من السلاطين وما يأخذه يوزع أكثره ويبقي ما يكفي
لعائلته وكان له إبنان وبنت.. وابن عربي تزوج بواحدة ولكن أقطاب التصوف الإجتماعي
لم يتزوجوا إذ كانوا يرون في الزوجة و تكوين العائلة أمرا يعيق عليهم إهتماماتهم
الإجتماعية.. فإن الزوجة تريد حقوق والأبناء. فهم بمنظورهم هذا لا يتزوجون كي لا
تلهيهم حظوظ الزوجة والعائلة وأنفسهم عن حقوق العامة. وهذه نزعة متطرفة عند
المتصوف الإجتماعي لا يرقى لها إلى الأولياء والضنائن كالمسيح.
نساء متصوفات:
إن المرأة أقدر من الرجل على ترك
زوجها لأنها أقل طلبا للجنس وهي تكتفي برجل واحد, إلا الجانحات من النمط الأوربي
وهن قلة في نساء الشرق وكنّ قلة في الغرب قبل العصر الرأسمالي وقد إنتشر البغاء
الجنسي اليوم في الشرق بسبب إنتقال الثفاقة الغربية والجنسانية منها خصوصا إلى مواطن
الشرق العربي والشرق الآسيوي, وتقيم على نشرها شركات رأسمالية تسمح لها إخلاقيتها
ببيع الأجساد مقابل كسب الأموال, فالحب الروحي نادر والحب الجسدي أو المادي هو
المسيطر على الساحة. ولولا أن مجتمع الإسلام في عصره الذهبي كان شديد الذكورية
لوجدنا المتصوفات أكثر عددا من المتصوفين. و بينهنَ من إستحكمت في التصوف كالولية
الكبرى رابعة العدوية, وميمونة بنت شاقولة وفاطمة النيسابورية. و زوجة رياح
القيسي.
و الإسلام كما
قلنا في عصره الذهبي كان شديد الذكورية, ولكن الشريعة وتعاليمها لم تمنع من أن
تكون المرأة ولية وقد كرّس القرآن وليات منهنّ كمريم. ولدينا في تراثنا فاطمة
وآسيّة وخديجة. واليوم بدأت المرأة تتحرر شيئا من قيود المجتمع الذكوري ليكون لها
دور ولو نسبي في مشاركة الرجل الحياة الإجتماعية، إلا أنه لا زالت تكبلها العادات
والتقاليد العثمانية لتمتد إلى حاضرنا لتجعل منها ممتلكا لا رفيقا وذلك يرجع
للقانون. ويقول الشيخ الأكبر إبن عربي إن كل ما يصلح أن يناله الرجال من المقامات
والمراتب والصفات يمكن أن يكون لمن شاء الله من النساء.
-
كانت رابعة تقول في مناجاتها: اللهم أتحرق
بالنار قلبا يحبك؟
ولا ريب أنها لم تكن
تخاف النار وإنما هي نار قلبها المحترق بالحب. وقد تكون رابعة هي المشرع لمذهب
اللادارين: لا دار الدنيا ولا دار الآخرة في مقابل سعادة الدارين. وكانت تخاطبه
بأنها لم تعبده خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته ولكن لأنه أهل لعبادتها. وكذلك
كان علي بن أبي طالب يناجي ربه.
وهذه كما عبروا عنها
عبادة الأحرار.
وكانت تقول: ما ظهر من
أعمالي فلا أعده شيئا؛ تريد أن العمل الطيب يجب أن لا يُعرف حتى لا يحقق الجاه
والشهرة لصاحبه. ورابعة لم تتزوج.
-
حَسَنة العابدة: عارفة جميلة الصورة لم
تتزوج. قالت لها إمرأة: تزوجي. فقالت: "هاتي رجلاً زاهداً لا يكلفني من أمر
الدنيا شيئاً وما أضنكِ تقدرين عليه، فإن وجدتِ رجلاً يبكي ويُبكيني ويصوم ويأمرني
بالصوم, ويتصدق ويحضني على الصدقة ففيها ونَعِمت وإلا فعلى الرجال السلام".
-
أم الحُريش أو أم الحريش عُرفت بالكنية.
عارفة متزوجة من عسكري. وكان الناس يقولون أنها أبتليت به ولم تذكر المصادر
ملابسات الزواج. فكانت لا تأكل من طعامه وتعد لنفسها شيئاً تأكله لا يدخل فيه ما
يكسبه من مال. إذ أن ذلك المال قد إختلط بدماء الناس وفقرهم على حساب غنى أهل
الدولة.
-
رياح القيسي كانت له قَدَم في التصوف فتزوج
من عارفة. وفي صبيحة العرس قامت العروس إلى عجينها تصلحه. فقال لها: لو نظرتي إلى
إمرأةٍ تكفيكِ هذا؟ فقالت: (إنما تزوجت رياح القيسي ولم أتزوج جباراً عنيداً).
وفي هذه الرواية معنى عميق. فهي تنكر الخدمة المنزلية, ولا تريد ان تمتهن
مخلوقا لخدمتها.
ولكنه في عصرنا الحاضر ومع إنشغال المرأة بالعمل في مساعدة الرجل فهي بحاجة
لشغيلة أو مربية.
والإسلام لم يمنع من إتخاذ العبيد والجواري إنما حرمه المتصوفة على أنفسهم وهذا
خيار نابع من إلتزام روحاني وطبقي إتجاه الخلق. ولكن هناك رواية لزين العابدين
تقنن السلوك في معاملة العبيد، إذ يُروى أن عبداً له كان يشوي لحماً في التنور
وبجانبه يقف طفل لزين العابدين فوقع السفود (حديدة دقيقة يُنَظَّم فيها اللحم
ليُشوى) من يد العبد على رأس طفل لزين العابدين فقتله. سمع زين العابدين الصرخة
فأسرع إلى المكان ولما رأى ولده غارقاً في دمه لم يلتفت إليه إنما إلتفت إلى العبد
وقال له: لا تُراع .. أنت حر.
والعبيد في العادة يعتقون لمأثرة تصدر منهم وليس جريمة قتل يرتكبونها
بالخطأ أو بالعمد. وهذا موقف لزين العابدين قد لا يصدر من غيره.
النهاية: كلمات في حق المدارات
إن العقل الأول يتلاشى عندما يتعرض لثقافات عديدة أو يتروحن خاضعا لسلطة القلب لا العقل
خارجا من سلطة الموجود
إلى وحدة الوجود
فيخوض صراعا بين الفكر والواقع
من هنا كان المتصوف خارجا عن سلطة الشرع
في نفس الوقت غير قادر على نقضه
فنسخه وتروحن
إستبدل الأرض بالسماء, وتذلل لله بدل الدولة
وحينا يراه في صورة الرفيق أو الحبيب فقال بالحلولية كالحلاج ورابعة
ولما سُئل ذاك المناضل الصوفي: مافي جبتك؟ قال: مافي الجبة غير الله.
صفى له فتصافى له حتى ظن أنه في نفسه صارخا في شوارع بغداد: أنا الحق!
فكانت جائزة العاشق الصلب في ذمة المعشوق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق