الاثنين، 7 ديسمبر 2015

المرجع محمد الشيرازي وآفاق التطور الفكري والسياسي

غلاف كتاب: المرجعية الشيعية وآفاق التطور - أحمد الكاتب


للفكر الإنساني تحولاته، كما للجسد الإنساني الحي تقلباته، وفي هذا الكتاب رحلة لتحولات فكر المرجع الديني الشيعي السيد محمد الشيرازي (١٩٢٨-٢٠٠١) والذي نبصر من خلاله كيف للواقع والأحداث السياسية والتجارب أثر في تغير فكر الإنسان ووجهات نظره التي قد تكون مؤيدة لفكرة ما أشد التأييد في سن معين وتنقضها أشد النقض في سن أخرى، أو نتيجة حدث ما. وبالتالي علمني هذا الكتاب أن لا قدسية للأشخاص والأسماء والأفكار التي يخرجون بها لأنها نتيجة من نواتج الحياة الإجتماعية النفسية التي يعيشونها.

حول المؤلف نذكر أن احمد الكاتب هو واحد من تلاميذ السيد محمد الشيرازي والذي لبس العمامة والزي الديني في سن الرابعة عشر على يده ورافق الشيرازي في منفاه إلى الكويت بعد إنقلاب ١٩٦٣م وبالتالي فإن أحمد الكاتب حين ينقد في هذا الكتاب الصغير الذي لا يتجاوز الـ ٢٠٠ صفحة لا ينقد شخص محمد الشيرازي بل ينقد نفسه وسيرة حياته التي عاشها وتطوراتها الفكرية والسياسية كما يقول.

من المواقف الإيجابية للشيرازي وقوفه ضد السياسة العربية القومية في الستينات ودفاعه عن حق الأكراد التي تعتبر من الأمم العراقية العريقة ورفضه اصدار فتوى لصالح النظام القومي حين طالبه عبدالسلام عارف إصدار فتوة لمحاربة الأكراد وثورتهم: "قائلا إن الأكراد مسلمون، والعرب مسلمون، فإذا انتم بنيتم حكومتكم على القومية العربية فهم تعلموا منكم ويريدون أن يبنوا حكومة لأنفسهم على القومية الكردية."/ص٨٦.
ورفض أيضا نظرية الحكم الوراثي الملكي قائلا أنه أسوء أقسام الحكم الإنقلابي الإنتخابي. ولكن الشيرازي بدل أن يتحدث عن البديل الجمهوري طرح نظام ولاية الفقيه؛ فإذا كانت القومية تمنع حق الكرد العراقيين وتجعل منهم طبقة أدنى، فإن الحكم القائم على ولاية الفقيه او حتى الشورى المقتصرة على الفقهاء الشيعة تمنع حق الديانات او المذاهب الأخرى التي تشترك معنا في الوطن من الوصول إلى الحكم أو حتى الإنتخاب الجمهوري..! وذلك يتعلق بالنظرية التي يؤمن بها الإنسان الشيعي بأن الفقهاء نواب الإمام المهدي الثاني عشر والذي توارث شرعيته من الأئمة الذين توارثوا شرعيتهم من الرسول المرسل من الله، فبالتالي فإن الدولة الإسلامية الحقة هي دولة يقودها الفقيه العادل المطبق لشرع الله وقانونه.

أما من المواقف السلبية للشيرازي هو دعوته في الحرب العراقية الإيرانية وفي مثل هذا الموقف الحرج لتخلي الجنود العراقيين عن السلاح وعدم مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مقابل الدفاع عن نظام بعثي ملحد وكافر... وتغلب في كثير من الأحيان الهموم الآيدلوجية عند الشيرازي على هموم الهوية الوطنية او العدل والمساواة فنرى أنه كان في بداية حياته الفكرية حسب ما ينقل تلميذه الكاتب معارضا شديدا للإنتخابات والديمقراطية كونها من نواتج الغرب والتراث اليوناني والبعيدة عن مفاهيم أهل البيت والإسلام الأصيل وعارض تفسير محمد باقر الصدر لأية الشورى وقانون الإصلاح الزراعي الذي أتى به الشيوعيون بعد إنقلاب تموز ١٩٥٨م، ومن بعدها اخذ يراجع افكاره في كل ذلك وأخذ يوظف الديمقراطية والمفاهيم الحديثة في فكره السياسي وفي خدمة الفكر السياسي الشيعي بشكل عام، وغيّر موقفه من قانون الإصلاح الزراعي.

شخصيا تعتبر هذه قرائتي الأولى في فكر الشيرزاي والمصدر الوحيد الذي اعرفه حول شخصيته ويمكن أن يعتبر سيرة ذاتية حيادية ذكرت ما على الشيرازي وما إليه خارج لغة التقديس، ولايزال الكاتب محافظا في نفس الوقت على إحترامه لأستاذه بالرغم من خروج الكاتب بفكر مختلف ومفاهيم مغايرة.

الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

حول رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ

غلاف الكتاب
يذكرنا نجيب محفوظ في اولاد حارتنا بإبن المقفع في كليلة ودمنة وهي تجربة ادبية متقدمة استخدمت السرد الإيحائي في نقد الخليفة المنصور على لسان الطير والحيوان. وبالرغم من هذا الايحاء الغير مباشر في نقد الخليفة الا انه كان من السهل ان يعرف اي خليفة ما كان يقصد ابن المقفع من وراء إيحاءاته. وكانت نهايته المأساوية حيث قطعت اطرافه امامه واحرقت في قدر حتى مات عبدالله ابن المقفع امام القدر وهو ينزف دما.

هذا الايحاء السردي يُستخدم عندما يحاول الكاتب في ظروف قمعية نقد السلطة (سواء كانت سلطة سياسية او فكرية) وبالرغم من الاتهامات التي وُصف بها نجيب محفوظ من قِبَل رجال الدين أنذاك بسبب روايته، لا اجد أن الرجل غير مؤمن بالانبياء او انه يستهين بأفكارهم. بل على العكس هو حاول ان يقدم الاسباب الواقعية التي يتفاعل من خلالها عقل الفرد اي فرد كان يمتلك حسا انسانيا في ذلك الأوان من الوعي مقتحما السماء بقبضات عارية طامعا نحو تغيير واقع الظلم والقهر نحو واقع افضل مستعينا بقوى فوق طبيعية محايدة وبعيدة عن الصراع البشري. بهذا فإن لمحفوظ إيمانه الخاص في الانبياء وهذه وحدها لامعة من لوامعه الفكرية التي استطاع ان يوصلها بالايحاء، إذ نرى موسى في شخصية جبل الحاوي مهذِّب الثعابين. والمسيح في رفاعة الذي كان طبيبا شافيا للناس من الامراض الجسدية والروحية ميالا للفقراء ضد السلطات. كما ان لرفاعة نصيب من انقاذ حياة زانية حين تزوجها كتلك التي قال فيها يسوع عندما اراد الناس رجمها: من ليس له خطيئة فاليرمها بحجر. مرورا بالعشاء الاخير وخيانة يهوذا الاسخريوطي كتلك الخيانة التي كشفت فيها زوجة رفاعة أمره للفتوات.  وانتهاءً بتأسيس الديانة المسيحية بعد مقتل المسيح على يد الرسل الاربعة. حتى قيل ما قيل من القصص التي تفتق الخيال في شخص رفاعة، منها "ما تنوقل أن جثته ظلت ملقاه في الخلاء حتى حملها الجبلاوي ليواريها التراب في حديقته الغناء".
.
في النهاية، ربما يكون هذا مجرد تشابه في الشخصيات كما يؤكد نجيب محفوظ دائما حين يُطرح التساؤل حول روايته: "إن هذه الحكايات المسرودة هي هي حكاية احدى الحارات المصرية القديمة، لا كما يُراد لها من تأويل". وربما لا يكون نجيب محفوظ بريئا اذ هناك ما يكفي من مقاربات يستطيع حتى عقل الطفل الصغير ان يكتشفها. واذا ما قاربنا بين رواية نجيب محفوظ والثقافة العربية الاسلامية فإن نجيب لا يطعن في الانبياء بقدر ما يجعل منهم الأبناء الاكثر عبقريةً وحسا في وسطهم الاجتماعي. وهذا لا يُخفي ان له وجهة نظر مختلفة في حقيقة الإلهام السماوي (هذا اذا ما سعى عقل القارئ للمقاربة والتأويل).

السبت، 26 سبتمبر 2015

غوته، شاعراً وحكيماً...!

جوهان فون غوته
Johann Wolfgang Von Goethe 


حينما زار غوته في أيامه الأخيرة الكهف الذي يلعب فيه أيام صباه إستذكر صوت الرفاق الذين رحلوا عن عالمه وضحكاتهم وتراقصهم بين جدران الكهف ولعبهم فأنشد قائلا:


في ذُرى الأطوادِ صمتٌ شاملٌ     وســكونٌ قد غشـى الكونَ الفسيحْ
خيَّـــم الصــمتُ علــى الغـــابِ     فلا صوت طيرٍ فيه أو نسمة ريحْ
كُـــلُّ شــيءٍ مُســتريحٌ هـــادئٌ     وقــريباً أنــتَ أيضــاً تستـــــريحْ


وكانت هذه لمحة وداع تجوهرت فيها روحه معلنةً إنفصالها، لكن أمثال غوته من الشعراء الحكماء أو الحكماء الشعراء الذين كانوا يقاومون المرض الجماعي والمتفشي في عموم القارة الأوربية لابد ان يُعاد ذكرهم في سُويرة الحب المفقودة -سويرة: تصغير سورة- ويعيد إتحادات الروح الإنسانوية بين الشرق والغرب. وهنا فكرت أن أنقل لكم ترجمة غوته من المدارات الصوفية حيث تتحد في كأس التصوف خمرة غوته فتتلاشى حدود العالم في قلب الشاعر حين يفيض بالحكمة.


غوته:

(هذه ترجمة منقولة حرفياً من كتاب مدارات صوفية)


جوهان فون. ألماني عاش بين ١٧٤٩ و ١٨٣٢. أصلهُ شاعر. إلا أنه تجاوز الشعر إلى الحكمة فهو شاعر حكيم أو حكيم شاعر تمتع بحساسية شعرية عالية كأي شاعر - المتنبي، لي باي، شيلي - مع شخصية حكيم كأي حكيم: لاوتسه، أبيقور، ابن عربي... منحته الحساسية الشعرية غريزة حب طغت عليه كما طغت على إبن الفارض فعاش حياته بين إمرأتين: زوجته وحبيبته. إرتبط مع الزوجة بعلاقة حب زوجي لا يكدرها شيء. ومع الحبيبة بعلاقة حب صوفي مروحن، لكن لوعة المحب كانت فيه كلوعة ابن الفارض، فحديثه عن شارلوت (ميريانا) في آلام فِرْتر هو حديث ابن الفارض في الجيمية والفائية واليائية. لكن حبه كان كونياً. وقد فاض منه على غير الحبيبة فأحب الناس كلهم وإجتاز حبه حدود ألمانيا إلى أوربا ثم إجتازها إلى الشرق البغيض وإلى الإسلام الأبغض والعرب الأكثر إثارة للمقت والعداء. فأحب العرب في الشعر الجاهلي وغيره وأحب الإسلام إلى حبٍّ كان من العمق والصدق بحيث لم يتحمله أبناء القارة فكتموه وسعوا إلى بتره عن تراثه فلم يتهيأ كشفهُ إلا مُقسَّطا وعلى تخوّف. وعجائب الإنسان لا تفنى. وأي عجبٍ أعجبُ من أن يظهر مثل هذا المثقف الكوني في مجتمع مغسول بالعرقية والعصبية المتوحشة؟ في بلد أعطى أعظم فلاسفة العصر الحديث لكنهم لم يخرجوا، إلا في واحد كان دخيلاً عليهم من عقدة التعصب والعرقية فأنتجوا فلسفة صفاء للأوربي وجفاء قاتل لبقية البشر؟


وفي غوته الحكيم نرى الحقيقة الكونية وقد تروحنت فصارت علاقة جذب بين الأشياء وآصرة حب بين الناس. وقد ثقل على قلبه علماء الفيزياء وأنكر الطبيعيات لمّا رآها تُحيل العالم إلى أرقام بينما هو يريد للعالم أن يمتلئ بالأرواح، فوضع نظرية في الطبيعة والوجود تقوم على حسابات الجمال كعلاقة كبرى بين الموجودات، في محاولة شعرية لروحنة المادة. وقد درسها الفيزياويون واستظرفوها ونشرها كبير فيزياويي ألمانيا في أوائل هذا القرن - يقصد رودولف كارناب - مع كتابه: فلسفة الفيزياء. ولم تكن لتنافس نظريات الفيزياويين وإنما تعالج أحاديتها المادية. الفيزياء الصرفة تتعامل مع المادة الصرفة. وبدون ذلك لا يسعها ان تفعل شيئاً مع حقائق الطبيعة التي هي حقائق مادية مئة بالمئة. وعلى هذه الطريقة الفيزياوية في التعامل مع المادة قام العلم بشموخه المتصاعد وقامت الصناعة بجبروتها الذي نقل الإنسان من حال إلى حال لو درى الأول بالثاني لمات من الحسد. لكن العلم البحت والمادة الصرفة إذا أوصلا الإنسان إلى ما وصل أبقياه سجيناً في قفص العلاقات المادية. والعلاقات المادية يتسفّل بها الإنسان. وبقدر ما تفشل العلاقات الروحية في حكم الطبيعة تفشل العلاقات المادية في حكم الإنسان. إن عقول العلماء الرقمية يجب ألا تتحكم في الناس. فهنا يحتاج الحكم إلى قلوب بشرية. وقد ساهم الإقتصاديون في إنماء ثروة المجتمع بهذه العقول الرقمية إلا أنهم لم يفعلوا شيئا للناس وبقي حالهم كما كان في أي عصر سابق. إن جوع الإنسان في عصر الطيارة والحاسوب والفضاء هو نفسه في عصر الحمير والإبل والبغال. بل إن أهل ذلك العصر كثيراً ما وجدوا حلولاً للجوع والفقر لم يجدها أبناء هذا العصر. إن كمية الظلم التي رافقت الفيزياء والإقتصاد العلميين تزيد على نظيرتها في أي عصر سابق. من هنا تأتي ثورة غوته ضد الفيزياء. وغوته من الأبدال الذين تحتاج الأرض لمثلهم لأنها بدونهم تميل فيبقى الناس فوقها كالسكارى. وليست نظرية غوته في الطبيعة بديلا عن الفيزياء بل هي العلاج الذي ينشده الحكماء لزيوغ المادة الصرفة. يريد غوته أن يعطي العلاقات الروحية، علاقة الحب والجمال والخير مكاناً في الطبيعة. ولا شك أنه يدرك أن الطبيعة لا تفهم هذه العلاقات وإنما هي شأن الإنسان، فنظريته الفيزياوية هذه نظرية إجتماعية تسعى لأنسنة العلوم حتى تكون في خدمة الناس عقاباً لهم على إنسانيتهم الخارجة من قيد الإنسانية الصرفة.


غوته من ضنائن الله. وضنائن الله ينطوون قلوب بشرية تُعَدِّل جفوة وقساوة العقول الرقمية من غير أن توقفها عن فعلها. لنترك الفيزياوي في مختبره يفسر ويحلل ويقدِّم للصانع ما يطور به حياة الناس المادية. وتبقى الكلمة بعدها لضنائن الله أصدقاء الإنسان. هكذا أراد غوته. وهكذا تكلم. وذلك هو السر في عشق خَلَفِهِ الألماني كارل ماركس له مع أن ماركس فيلسوف طبقي وغوته حكيم إنساني. وتبعاً للمادية الصرفة يكون غوته برجوازي صغير ومثالي متواطيء. لكن ماركس لم يكن مادياً صرفا ولا مرة.


وقد تحدثت تواريخ غوته عن علاقة بالفقراء ذات منحى تاوي-صوفي إذ يحكي كلينجر ان غوته محبوب عند الجميع وأنه بركة على بلدته -فايمار- وقال ميرك إن غوته هو الكل في الكل وهو الذي يوجه كل شيء وجميع الناس راضون عنه لأنه منفعة للأكثرية ولا يضر بأحد. وقال ليزفنتس إنه يساعد الكثير من العوائل الفقيرة في فايمار فهو إنسان حي الضمير. وقال فايت: يرى الناس في غوته إنسانا طيبا حسن الطوية وهو يحظى بإحترام الجميع ومحبتهم. وقال ن. فوس: بالأمس قالت لي إمرأة إن غوته بركة على فايمار فهو الذي يحرك كل شيء وهو الذي يُحسن لكل المحتاجين. وهذا مسلك صوفي حسب تحديد عبدالقادر الجيلي: إيجاد الراحة للخلق. ولو أن غوته خالف المبدأ الصوفي في مقاطعة الدولة إذ كان مرعياً من حاكم فايمار. ولا شك انه استفاد من هذه العلاقة لمساعدة أهل البلد لا لمصلحة نفسه. والصوفية يختلفون في جواز إقامة علاقة مع السلطة لخدمة الناس وأكثرهم لا يوافقون عليها.


الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

الشطح الصوفي والكتابة السوريالية اللاإرادية

لوحة بعنوان (أطلس التجول) للفنان السوريالي فلاديمير كوش
(Vladimir Kush - atlas of wander (Surrealisme art  


يُعرّف أبو نصر السراج الشطح بأنه (عبارةٌ مستغرَبة في وصف وجدٍ فاض بقوته، وهاج بشدة غليانه وغلبته) ويضيف أن الشطحة (ظاهرها مستشنع، وباطنها صحيح مستقيم) كشطح البسطامي حين قال سبحاني سبحاني ما اعظم شاني.. والحلاج حين قال: مافي الجبّة إلا الله. ولذلك سمي الصوفيه بأهل الباطن وعلماء الفقه بعلماء الظاهر. أي انهم أخذوا أهل الباطن بظاهر قولهم وساروا على السلف، بينما الصوفي يعيش التجربة الحية التي تفيض من باطنه الإتحادي مع روح الكون السارية في الوجود، فقالوا ردا على علماء الظاهر: (أخذتم علمكم ميتا عن ميت، وأخذنا علمنا من الحي الذي لا يموت). وفي الواقع ان هذا الحي الذي لا يموت لم يكن من خارج الصوفي وإنما هو الوِرد النابض في ذات فؤاد الصوفي.


في كتابه الصوفية والسوريالية حاول أدونيس أن يقارب بين الشطح الصوفي وبين دعوة السورياليين لتحرير الرغبات اللاشعورية من سجن الواقع والتمسك بالخيال والفن الفوق واقعي وسرد الأحلام... إلا أن الكتابة الآلية اللاإرادية والتي لا تخضع لسلطة العقل هي اسهل طريقة بالنسبة للسوريالية في إكتشاف الإنسان للحقائق وأسرار ذاته. حيث يقول بريتون في البيان السوريالي الأول عام 1924: (الكتابة الآلية وسيلة متميزة لإنتاج نص شعري بفعل "اللاإرادية النفسية المحضة". والواقع أن هذه اللاإرادية طريقة تتفوق على طريقة سرد الأحلام فهي تتيح إنتاج القول الذي يتشكل في لا شعورنا كل ثانية ولا ندركه (...) فاللاإرادية وظيفة للسرعة ولحرية الفكر في آن. وهي تقتضي أن نكتب دون خضوع لأية قاعدة إخلاقية أو جمالية أنها تتيح أن نستعيد طاقات الخيال الضائعة وان نفهم بشكل أفضل كيف تتهيأ آليات الفكر).


في الحال بدأت أستذكر نصا شعريا كتبته بتاريخ 22 مارس 2014 تحت عنوان "صحوة السكران" وهو ليس شطحا لأن الشطح أكثر عمقا ولمحة عابرة في الوجد... هو من النصوص التي لا أمل من إعادة قراءتها، ربما لأني أكتشف فيها حالة من حالات كتاباتي المفقودة، كتاباتي اللاإرادية الغير خاضعة لقيود العقل. وإنما هي تعكس مرآة ذاتي. وأطلقت عليها هذا العنوان لأني كنت في اشد حالاتي صحوا واكثرها غيابا... هذا هو النص بعد أن حذفت منه زوائد أظنها تقطعات إرادية شوهت المعنى، ولأني كنت لا أنوي نشرها فهي بالتالي سابحة فضاءً من اللاإرادية والحرية من الذات للذات، وكل أمنيتي ان يتذوقها القارئ كما تذوقتها أنا:


ها هُنا أنا الآنَ
نِصفُ القَلبِ مُمتزِجٌ بِنِصفِ الليلْ
فَهذا البَحْرُ مُنسدِل عَنْ الكَونِ
وَهذا النَجمُ مَكشوفُ
وهذا القلب عُطشاناً بِوِحدَتهِ لِسَكرَتِهِ
وَيَبْدو العِشْقُ للسُكرانِ مَختومُ
"أَلا فالتُكسَر الجُدرانْ"
بَحارُ الأرضِ قَدْ ماجَتْ
وَشَمْسُ القلبِ سكرانه
أَهَلْ لِلهِ أَمْ إبليسْ قَدْ سَجَدَتْ
أَبو التَوحيِدِ شَيطانُ
فَلَمْ يَسْجُدْ سِوى لِلحقِ سُبحانَه
فبِالحِيرَةْ نَرَى الأَشياءْ
المَفْصُولُ مُتَصِلٌ والمَوصُولُ مُنفَصِلُ
إنَّ القَلبَ ماءٌ مازَجتهُ النّارْ
مُحْتَرِقاً بِنارِ الفِكرْ
لَيْسَ لَهُ دِيْارٌ يَستَقِرُ بِها
ولِلإيمانِ أَلْوانٌ رَمادِيةْ
قالَتْ حِكمةُ الأَزْمانْ:
"أَتَحْسَبُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغيْرْ" وَفيكَ وَفيكَ وَفيكَ الإلهْ
أَنتَ المُطلقُ الأَوحَدْ
وَرُوحُ الكَونِ ساريةٌ في بَدَنِكْ
بِقَلبِكَ تَسكُنُ الأَرواحْ
فَهَلْ تَقنَعْ بِالنِسبي؟ 
فأَنْا هُوَ وَهُوَ أَنْا وَأَنْا أَنْا وَهُوَ هُوَ
عَرَفْتُ الآنَ مَعنايَ ومَعناهُ
بَعِيدٌ عَنكَ قَدْ ظَنّوا
قَريبٌ مِنكَ لَو عَرِفوا
كَساقِ الوَردِ مُنقَطِعٌ عَنْ الأَغيارْ
مُتَّصِلٌ بِحَبْلِكَ أَنتْ
فَلَوْ عَرَفوكَ ما لَبِسوا عِمامَتَهُم, وَما سَرَقوكْ,
وَ ما قالوا بِأنَّكَ مُلكَهُمْ يَوماً, وَما حَجَبُوكَ عَنْ خَلقِكْ.
فَصَحويْ الآنَ مُلتَبِسٌ مَعَ السُكرِ
أُجيدُ النُطقَ لكِنّي مُنصَرفٌ عَنْ النُطقِ
أُحِبُّ السُّكْر لأنَّ الصّحوَ فيْ سُكْريْ
وَلَيسَ السُكْر إلا فُرقَةَ الجَسّدِ
فَخُذْ جَسَديْ
فَلَيْسَ القَلبْ سِوى جِسرٌ
بُطَينٌ أَيسَرٌ لِلأَرضْ
بُطَينٌ أَيمَنٌ لِلنَبضْ 
فَدَعْ سُكْرِيْ وحَلِلْ جِسمِيْ الإنْسيْ
خُذْ روحيْ وَدَعْ قَلبيْ يُحَلِقُ فِيكْ
فَسِرْ نَحويْ أَسِر نَحوَكْ
لا إيمانْ يَقنَعُنيْ
فَبِالحِيرَةْ نَرى الأَشيْاءْ
كُلُّ الكَونِ مُتَصِلٌ وَكُلُّ الكَونِ مُنفَصِلٌ

"أَنتَ الّذيْ بِنِسبَةِ إيمانِنْا تُرى وَبِما حَمَلنا لَكَ فيْ قُلُوبِنْا تَتَجَلّى"

فَكُنْ حَجَرَاً تَكُنْ حَجَرَاً
وَكُنْ شَمْساً وَكُنْ رُوحاً تَكُنْ طَيراً
يُحَلِّقُ في سَماءَ الوَجدْ
وَكُنْ لاشَيءَ كُنْ عَدماً تّكُنْ عَدَماً
يُجَلجِلُ عَطفَ ناقُوسِ القِلوبِ هَواكْ

قالَ رِياضُ النُعماني: "إلَهيْ أَنقذنيْ
لا أَحْتَملَ الدُلَّ
وَأَنتَ تُطيلُ دَلالَكَ فِيّ"

يا سِربَ حَمامْ
يا غَيمَةً بَيضاءْ
يا نَجماً
ويا شَجَرَاً

وَإنّ كُنتُّ بَلا كأسٍ
فهذا السُكْرُ في صَحويْ
وهذا الصَحْو في سُكريْ
"ماءٌ مازجتهُ النّارْ"




الأحد، 28 يونيو 2015

الحركة والجوهر عند الفلاسفة القدماء





"الحركة هي الخروج من القوة إلى الفعل على سبيل التدريج/ ابن رشد والكندي"








المدرسة الأيونية:


واجهت الانسان حين حاول أن يفسر العالم بطريقة علمية مسألتين أساسيتين: الحركة والجوهر. أي كيفية النشأة ومادة الوجود الأساسية.حيث كان طاليس أول فلاسفة الإغريق المولود عام ٦٢٥ ق.م الذي كان يرى إستنادا إلى فكرة سومرية قديمة أن العالم يرجع إلى مادة وحيدة هي الماء. فالماء هو أصل الأشياء كلها، أما القوة التي تُشَكّل الأشياء وتحركها فهي الآلهة. ولكن طاليس بدلاً من أن يضع الآلهة في السماء وضعها في داخل الأشياء. حيث يقول: كل شيء مملوء بالآلهة. وهذه هي المدرسة الآيونية التي تقول بأن الوجود متحرك دائما وحركته هذه منه وفيه.


من بعد طاليس جاء تلميذه انكسماندريس وقال بوجود العماء (الأبيرون) وهو المطلق الذي تنشأ منه الأشياء وتعود إليه وفق مبدأ (الإنفصال والإنضمام) ففي الإنفصال تكون الحياة وفي الإنضمام يكون الموت أو الرجوع إلى العدم في صيرورة أبدية.


التلميذ الثالث لهذه المدرسة هو أنكسيمانس الذي فسر نشأة الأرض وفق مبدأ (التخلخل والتكاثف) حيث اختلف مع استاذه وكان يرى أن الهواء هو مادة الوجود الأساسية وأن الأرض تكونت نتيجة تخلخله وتكاثفه وينشأ كل ما هو موجود وفق هذا المبدأ: فالنار مثلا تنشأ عن التخلخل أما التكاثف فيؤدي إلى السحاب ثم إلى الماء وفي مرحلة تالية من التصلب تكونت الأرض والصخور.

 


المدرسة الإيلية:


من بعد انكسيمانس جاء برمنديس المولود عام ٥١٥ ق.م وشن مع تلميذه زينون هجوما على المدرسة الأيونية، حيث أبطل فكرة الزمن مؤكدا أن الوجود في حاضر لا يزول، فليس له ماضٍ ولا مستقبل، وليس محدَثاً ولا فانياً وهو في وحدة مع ذاته ليس له اجزاء. وقد اراد زينون ان يدافع عن مذهب استاذه ضد كل من يقول بالكثرة والتعدد والحركة التي هي في منطقة تفضي الى التناقض فاستشهد بأربع حجج. إلا أنه بالرغم من ادراكه الطبيعة المتناقضة للحركة عجز عن استشراف وحدة مراحلها المتناقضة.


وذهبت جهود برمنديس وزينون، حيث انها لم توقف من تطور الفكرة القائلة بالحركة.  فكان هيراقليطس في نفس الحقبة يعلن أن الأشياء في سيلان دائم وأن التنازع اساس الوجود، حيث يرى أن هناك تبادل بين الأشياء والنار يتمثل في تحول كل منها إلى الآخر، فالنار تتحول إلى ماء ثم إلى تراب والتراب يذوب بفعلها فيغدو ماءً والماء يتبخر فيرجع ناراً وهكذا بالإشتعال والإنطفاء والاحتراق والتجمد تكون الصيرورة وهي علة استمرار الوجود ولو كفت الأشياء عن الصراع لإنتهت إلى العدم. وكان هيراقلطيس اول من قال ان الانسان اصله من تراب وباقي الأشياء تكونت بفعل النار وتفاعلاتها.


بعد هيراقلطيس استحدث انبادوقليس نظرية الجذور او العناصر الأربعة، وهي: الماء، والهواء ، والنار، والتراب. وهي ما عُرفت بالإسطقسات وأضاف عليها الصينيون عنصر خامس هو الخشب. والإسطقس هو عملية إلتقاء هذه العناصر وتداخلها ومن خلال ذلك يتألف الشيء كما أنه يتلاشى بتفرقها.


السبت، 23 مايو 2015

عبدالإله الياسري - غُربَةُ الرُّوح والمَنْفى

صورة شخصية للشاعر عبدالإله الياسري

- في شِعرهِ المنظوم


عندما تمتلئ المكتبات بالشِّعر ويُغَيِّب المنفى حضور الشاعر على الرَّف. لابد من مساحة للشاعر أو المفكر أو المناضل أو الأديب أو أي شخصية قد غابت عن مكانها او إدراكنا ولو من باب ان تكون تعويضة لما قد خفي...:

شراب غيري كأسٌ ملؤها الرّاحُ وملء كأسي متاهاتٌ وأتراحُ
ترتاح بالنــومِ أجفانُّ إذا تَعِبَتْ وأعيُني بإصطِحابِ النَّجمِ ترتاحُ


هذا هو مطلع قصيدة "أرق النجم-الغربة" التي تعبر عن غربة الشاعر الروحية وهمومه الإجتماعية الملتزمة بحب الخلق وليس كهم الأغيار من أصحاب السلطة الذين يركضون خلف الأرباح والجاه والشهرة. حيث يقول:

ولَيتَ همّي كَهَمِّ الناسِ مأدبةٍ وفيضُ مالٍ وكُرسِيٌ وأَرباحُ


وتنتهي القصيدة بهذين البيتين:


وَحدي بضجة ليلي صامتاً أبدا متى أصيحُ ويُجلي اللَيلْ إصباحُ
أنا الغريبُ بِجُرحٍ لا يُسَكِّنَهُ وَصلُ الحبيبِ ولا يأسوهُ جَرَّاحُ


وصدق د. سعيد عدنان حين قال: (من قرأ قصائده الأولى، أو سمعه يُنشِدُ شيئاً منها ظل يتسقط أخباره ويتطلب أشعاره). وكانت هذه أول القصائد التي سمعتها له؛ والتي ذُيِّلَتْ في كتاب مدرات صوفية للغائب الحاضر هادي العلوي فظلّت راسخة في مخيلتي واخذتها عنوانا اكتبه على صفحات دفاتري ومصادفة حين كنت أبحث عن قصائده توصلت إلى صفحة له على إحدى مواقع التواصل الإجتماعي فأحببت فيه روحه المتواضعة وحسه الإنساني. سَيُقال كيف عرفت ذلك من خلال وسيلة إفتراضية للتواصل. أقول لأنه لا يترك صغيرا ولا كبيرا إلا ويحيه ويشجع فيه الكتابه والإبداع.
وأقول أيها الياسري البعيد بالجسد القريب من الروح مهما غربت المنافي الطيور الجريحة تظل تحلق في سماء الحرية طالعة نحو قبلتها الأولى تحمل معها العراق اينما حلت فمن بغداد الى المغرب حتى كندا ما برحت تغنيها فقلت في "إنحناءات بين يدي بغداد":

ما للقناديل لم تُسرَج لقافِلَتي هل أوحَشَتها غيومُ الأرضِ أم صُوَري؟
ما للمرافئ لم تَضحَك لِأَشرِعتي وقَد تَحَطَمَ في آفاقِها كِبَري؟
تَمَخَضَ الجُرحُ عن آهٍ تُمَزِّقُني وأَعشَبِ الدَمعُ في كأسي وفي وَتَري


وردا على بغداد ووطننا العربي نقول إنه وإن لم تسرج لك القناديل في وطنك فإن آلاف القلوب تتوقد حين تسمع آلام هذا المعنى، وإن لم تضحك لك المرافئ فإن مئات الأفئدة تصبح مرافئ تستقر بها حين تشعر غربتك، وليس لهذا الإستقرار لشِعرك في الفؤاد إلا تمظهرا او تجليا لثنائية الألم والغربة التي إمتزجت بالمحبة والحنين في ذاتك:


ها أنا يا بَغدادُ جِئتُكَ ميتاً قِفي وإخلطي الحناء بالمدمع الهامي


- في شِعرهِ الحُر


1/

وقفت تتسول في باب القحط الغيمة
تتضرع تقرأ أدعية الغيثِ
والقحطُ لها يُقفِلُ سَمعه
لن تَكسِرَ فَرحَتهُ دمعه
والقَحَطُ يُهاجِرُ
وتَظَلُّ الغَيمةُ واقفةَ في البابِ الموصدِ خجلانه


2/


ما عاد العصفور يُزَقزِق
ما عاد لزقزقته من أفق
الآفاق إنغلقت
والمفتاح يصيرُ نَعيق


حول المقطعين علّق د. سعيد عدنان: (إن الغيمة السائلة هي العصفور الذي فقد زقزقته وهي الأفق المغلق كلها كان يُنبئ عما كان يكتنف الشاعر ويزيد من غربته ويريه ضيق الأفق وإنسداده).


3/


حيرانٌ عِطرُ القَدَّاح
ما بين الصَخرةِ والصَخرَة
لا الصَخرةُ يُورِقُ فيها الحِسُّ
ولا القَدَّاحُ يُخبِّئ عِطرَه


في هذه القصيدة يُشَبّه الشاعر نفسه بالقّداح وغربته الفكرية والروحية إضافة لغربة الوطن بعطر القدّاح ما بين صخرتين لا ينمو فيهم الحس ولا الشعور برائحة عطره الزاكي، ولكنه رغم كل هذا الواقع الأليم لا يُخَبِّئ عطره.


- بيتان


في حق الشاعر الياسري كتبت بيتان اقول فيهما: 

كَم يَرفَعُ المال سُخفُ لا جمالَ به ولا حُسنُ ولا فِكرُ وإخلاقُ
ويُلحِقُ التاريخُ كم مِن عالِمٍ فَطِنٍ في حُقبَةِ الإهمالِ جَرَّ المَوتِ إلحاقُ


وذلك حين سألته: (لِمَ تَغيب أشعارك ودواوينك عن مكتباتنا تلك الأشعار التي تتغنى بالمرأة كروح وبالغربة الروحية في الوطن وخارجه في المنفى؟)
فإختصر عليّ قائلا: (أنا لا أريد الشهرة ولا أحب المنافسة بين الشُعراء. كذلك الطيور هي مثلي أو انا مثلها...).
تُرى كم تَغيب عن الكواكب عقول كالشاعر عبدالإله الياسري ولا نعرف عنها شيئا؟... بينما تُسمع أصوات النعيق بل وحتى النعيق لا يمكن أن يؤذي بشرا مثلما تفعل هي. ولم تُكثَر فيها الأصوات لأنها على الحق بل لأنها فقط تتلاءم مع الآيدلوجية المسيطرة. اما أنا أبحث عمّا هو غير ملائم أحيانا بل من لا حول له ولا قوة غير كلماتي أهديها له واكتب فيه أشعاري مستفردا في حق من لا صوت لهم غيري، ولست ممن يَشعَر ولكنه يخرج من تلقاءه حين يُصادف امثال هؤلاء الذين أسميهم أولياء بلا نبوءة، أو أنبياء لا ولي لهم.


الأربعاء، 6 مايو 2015

قراءة في "التشيع العلوي والصفوي" لـ "شريعتي"


غلاف الكتاب

أولا لابد أن نعترف بأن فكر الكاتب والكتاب يُعتبر نقلة تقدمية في فكر المذهب الشيعي خصوصا في المرحلة التي عاشها الكاتب من صراعات على السلطة بين التيار الديني الشيعي في إيران وبين النظام الإيراني للشاه. يتوغل الكاتب في هذه المرحلة الحرجة في كيان الفكر الشيعي وتراثه لينقد ويتحرى ليضيء دربا متزنا للشيعي الثائر أنذاك.

عمل الدكتور علي شريعتي في هذا الكتاب على توضيح الوجهان المختلفان للعملة الواحدة التي يصعب التفريق بينها خصوصا من قبل الفرد الشيعي نفسه. وهي دراسة إجتماعية مقتصرة على تفسير تطور وانحسار بعض القيم والمبادئ والمفاهيم في دائرة التشيع؛ مقاربا بين "التشيع العلوي والتسنن المحمدي"، و"بين التسنن الأموي والتشيع الصفوي" من ناحية أخرى وان كلا الخطان (العلوي المحمدي) و (الأموي الصفوي) يوضعان في قوس واحد فـ (التشيع العلوي والتسنن المحمدي) لهما نفس الدوافع السيا-اجتماعية لنشأتهما والذان يختلفان ويتصادمان مع الأسباب الواقعية التي انتجت "التسنن الأموي والتشيع الصفوي" والأخيران في قوس واحد ايضا، فالعلوي هو مسلك الوحدة والثورة على الطغيان والصفوي هو مسلك الفرقة والجور دفاعا عن الطغيان والسلالة الحاكمة.
كما أن الأول هو تشيع أحمر يعني الثورة والنضال والعمل من اجل التغيير في خدمة الناس، والثاني تشيع اسود هو تشيع الحزن والبكاء والمديح والحب لأهل البيت. الحب الذي هو دون المعرفة ما اكسب التشيع طابعا مغاليا وتنافسيا معاديا للطرف الآخر؛ الطرف الآخر لا يقتصر على من يختلف معه في المذهب بل حتى مع الآخر من نفس لونه الذي يعتبر الحب نتيجة من نواتجِ المعرفة وليس سابقا عليها، واصبحنا نعرف بعد هذا الكتاب ما هو الهدف من مثل هذه الأحاديث القدسية التي وضعها التشيع الصفوي لخدمة سياساته وروجها للناس ليختزل جميع الآمال والتطلعات والأحاسيس والمسؤوليات للإنسان الشيعي في دائرتين ضيقتين، هما: العزاء، والعداء للسنة، ليقولوا على لسان الله: (محب علي في الجنة ولو عصاني، ومبغض علي في النار ولو أطاعني). وهو كقول المرجئة: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنا وإن سرق). فيصبح شرط الإيمان فوق شرط العمل بينما القرآن قدم شرط العمل على شرط الإيمان: (ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). وكذلك يرى التشيع العلوي الذي يبدو من فكر شريعتي متسامحا مع الأفكار الأخرى ومتشددا نحو الظلم والجور.



- بين العودة إلى الذات وتفكيك الذات


بالرغم من أن شريعتي ظل مثقفا ملتزما ومؤمنا بنظرية العودة الى الذات وليس تفكيكها لم يسلم من الإتهامات اللاذعة من قبل رجال الدين وحتى من الجماهير لأنه نقد الأفكار الراسخة والمكونات الرفيعة للتشيع الصفوي فصار يُتّهم هو الآخر بالإنحراف والعمالة إلى الغرب.

علي شريعتي كان يعرف ان يوازن بين دروس علم الإجتماع التي تلقاها في فرنسا والتي اثرت على فكره ونشاطه وبين الجغرافيا الشيعية التي ينتمي لها او بالأحرى يشتغل عليها وهو جمهور إيران الواسع، فهذا الجمهور هو من وقف في وجه تفكيكه للتراث تفكيكا علميا وحصر نطاق عمله في الفروع او تطورات المذهب مبتعدا عن نقد الأصول او تفكيك الأسباب الإجتماعية والصراع الطبقي لنشوء الفرقة ثم تحولها لمذهب وطائفة وتطور أفكارها، ليقول مثلا: "عندما نقول المذهب الجعفري ليس المراد هو ان المذهب الشيعي قد إختُرِعَ من قبل الإمام الصادق (ع) بل كلنا يعلم أن التشيع بدأ مع بداية الإسلام". وفي الواقع أن المذهب الشيعي هو من تأسيس جعفر الصادق كمذهب ولم يكن في بداية الإسلام مذاهب إنما كان هناك من يميلون حسب تكوينهم الشخصي لعلي بن أبي طالب ويُناصِرون مبادئه وأبرزهم: أبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وعمار بن ياسر. أما الحديث عن المذاهب الفقهية فإنها تكونت بعد مرحلة علم الكلام والفِرَق الكلامية التي فسرت الآيات وفقا لموقفها من الوضع السياسي للصراع الإسلامي.

أوقعت ميول شريعتي الأيدلوجية قارئيه في أخطاء لا يمكن ان ينكرها أحد ممن لديه معرفه بالتراث او حتى قراءة بسيطة فيه وهو قوله: "إن أئمة الشيعة الذين قادوا حركة المقاومة على مدى قرنين ونصف من الزمن قد قضوا ما بين مسموم أو مقتول في هذا الطريق الجهادي الرامي لتخليص الناس من ممارسات الجهل والخوف" - أو قوله: "إن أغلب حالات الثورة والتمرد على جور الحكام والظالمين كانت تنطلق على مرتكزات شيعية وعن قاعدة شعبية تؤمن بالتشيع الحقيقي".
 من المعروف في تاريخ أئمة الشيعة انه ومن بعد الحسين في كربلا انتقلت المعارضة الثورية المباشرة والإصطدام الجهادي مع الامويين لأطياف أخرى قادها جمهور الناقمين على السياسات الأموية-العباسية من بينهم شبيب الخارجي  الذي قيل في بطولته ما يشبه بطولة الحسين وكانت أمه غزالة معه وقتلت في المعركة مثلما كانت زينب مع الحسين في معركته إلا انها لم تقتل ولم تحارب كغزالة بل قادت المعركة السياسية مع الأمويين بعد مقتل أخيها، ولولا صورة الفاجعة الكربلائية كما يُذكَر لكان لشبيب موقع بارز في حركة المقاومة ضد الأمويين وقد ظلمه التاريخ حين تركه في زاوية معتمة.
كذلك نذكر صاحب الزنج الذي قاد جمهور الزنوج المستعبدين ولم يكن هو زنجيا بل عربيا حركهُ وجدانه الإنساني للوثوب وقيادتهم في ثورة مسلحة.
ايضا حمدان بن الأشعث (قرمط) زعيم حركة القرامطة في العراق وهم ما يطلق عليهم المؤرخون المعاصرون للثورات الإشتراكية الحديثة (إشتراكيوا الإسلام).
إضافة إلى الحارث بن سريج الذي كان من جنود الأمويين وثار على مظالمهم واقفا مع المظلومين من غير العرب في شرق آسيا.
كذلك ثورة زيد بن علي التي كان فيها موقف ابو حنيفة النعمان شبيها بموقف جعفر الصادق مؤيداً وقد دعم فقيه الحنفية هذا ثورة زيد ضد هشام بن عبدالملك بمبلغ من المال يتراوح حسب ما ذُكر بين عشرة آلاف درهم وثلاثين ألف دينار...وتطول قائمة الثوار لأنهم جمهور المستضعفين الذين لا يُحصرون في حقيبة أيدلوجية معينة وإنما يحركهم وعيهم ووجدانهم المؤنسن إضافة إلى تعرضهم الشديد للمظالم.


- مقتطفات نقدية لـ د.علي الديري في فكر د. علي شريعتي

* هناك أفكار حقانية في ذاتها لكن حين تضعها في جغرافيا جسد المجتمع يتكشف وجهها غير الحقاني.
* جغرافيا شريعتي تعلمك ألا تنخدع، فليس هناك حقانية معلقة في السماء.
* شريعتي مثقف ملتزم وهذه الصفة هي مصدر قوته، وفي الوقت نفسه مصدر ضعفه بوصفه مفكرا
* الهَمّ الآيدلوجي يتطلب إبعاد التفكير في كل ما يتسبب في تفكيك الذات ولو على المستوى المعرفي؛ فالذات أحوج ما تكون في هذا الظرف إلى الصفاء النفسي، كي لا تزعج نفسها بكشف عورات نظم تفكيرها.


- المصادر

* التشيع العلوي والتشيع الصفوي - علي شريعتي 
* شخصيات غير قلقة في الإسلام - هادي العلوي
* خارج الطائفة - علي الديري





الاثنين، 13 أبريل 2015

الأبعاد الفلسفية لفيلم بي.كي (PK)

غلاف الفيلم




كانت الكلمات الأخيرة في الفيلم بمثابة الرسالة الرئيسية. والذي يصنف ضمن أفلام الدراما الكوميدية الرومانسية وهو من إخراج وتأليف (راجكومار هيراني) ولكننا نظلم الفيلم حين نشاهده كأي مشاهد لدافع الاستمتاع ونهمل الرسالة الفلسفية له. وهي رسالة إنسانية جريئة أراد المخرج إيصالها بإسلوب درامي، وكانت المناقشة الأخيرة بين الممثل (ساوراب شاكلا) الذي مثل دور رجل الدين الهندوسي (تاباسيو) و الممثل (أمير خان) الذي قام بدور "بي.كي" هي الأكثر حزما والفكرة النهائية التي أراد أن يقدمها المخرج، وهي مناقشة تعبر تعبيرا صريحا عن الفكر الربوبي عند الفلاسفة القدماء.



نص المناقشة (مترجم)



يبدأ تاباسيو بالحديث، قائلا: "الرب قال إبني معبدا، و بي كي يقول لا تقوموا ببناءه، لمن يجب أن ننصت؟ هل هو إله أم مجرد رجل؟! أولا قال لا يمكن إيجاد الرب، ثم قال إن الرب محتال! غدا ربما سيقول إن الرب قد مات!... يا فتى ما الذي تريد، عالم لا يوجد به رب؟! وأنت تقول أنك تتأذى من مآسي الناس وأن بعضهم لا يملك خبز ليأكله؟! والبعض ليس لديه سقف يأويه؟ هؤلاء من ليس لديهم صديق حتى يتحدثون معه؟!... هل تعرف كم من الناس يقتلون أنفسهم بقطع معصمهم أو شنق أنفسهم.. لماذا يقومون بذلك؟!... لأن ليس لديهم أمل. وعندما يأتي الرب ويضع نقطة على جبينهم وخيطا حول معصمهم ويعطيهم الأمل في الحياة فمن أنت حتى تسلب هذا الأمل منهم؟ وإن كنت حقا تريد أن تنتزع الرب من حيوات هؤلاء الناس أخبرني من ستعطي لهم بديلا..."

بعد صمت طويل يرد -بي. كي- في حزم وحزن: "أنت على حق يا تباسيو، هناك أحيانا لم أجد فيها الطعام أيضاً، ولم أجد منزلا ليأويني بكيت كثيراً فليس لدي أصدقاء حتى. لدي شيء واحد فقط -إله-. كل يوم كنت على يقين أن الغد سيكون أفضل، أن إلهي سيخرجني من ضيقي بشكل ما. أنا أقر بذلك. أنا أثق بربي وهو من يعطيني الأمل، سأتغلب على الصعاب بالقوة والإرادة التي يمنحني إياها. لكن لدي سؤال واحد فقط: أي إله يمكنني أن أثق به؟ تقولون جميعا أن هناك رب واحد، أنا اختلف معكم هناك إلهان؛ إله قد خلقنا جميعا وإله أنتم خلقتموه، نحن لا نعرف شيء عن الإله الذي خلقنا، لكن الإله الذي خلقتموه يشبهكم تماما"



إلتفاته


نقطة قد تحسب للفيلم أو عليه. وهو الطابع الكوميدي الذي يرى البعض أنه لا يرقى لجدية الرسالة التي أراد تقديمها. وبعض آخر يجد أن الطابع الكوميدي يضيف نوع من الهزل حول واقع النرجسية التي تصيب أهل الدين فيستعلون على الخلق بدينهم وكل يرمي الآخر بالجهل والتجريح والصراعات. لهذا اتهم الرازي أهل الدين بتجهيل الناس.



الفكر الربوبي في الاسلام


يعزوا الغربيون ظهور المذهب الربوبي إلى الإنجليزي هربرت أوف تشربري (١٥٨٣-١٦٤٨). ويؤكد اللغوي وباحث الفلسفة العراقي (هادي العلوي) هذا التزمين بالنسبة لظهور المصطلح لكنه كفكر كان يسبق تشربري بقرون إذ أقر به أبيقورس الإغريقي (٣٤١-٢٧٠ق.م) الذي أنكر الديانات وأكد وجود الآلهة وهو جوهر الربوبية. وكان الغنوصيون زهادا ربوبيون إذ كانوا يرون أن العالم من إنشاء الشيطان أو قوى الظلام نتيجة صراعها مع قوى النور أو الآلهة ومنها فسروا غلبة الشر على الخير في العالم وأعطوا الشياطين القدرة على صنع عالم مليئ بالشرور والصراع والفساد ونزهوا الآلهة عن صنعه فرغبوا عن مطالب الدنيا سعيا في طلب الحق الاسمى. ولم يستثني المعري الديانات في محاولاتها للوصول للحق بل جعلها سببا رئيسا للحروب والدماء والصراعات البشرية:

"إن الديانات ألقت بيننا إحنا     وأودعتنا أفانين العداوات"

ومن الربوبيين في حضارتنا العربية الإسلامية الفيلسوف أبو بكر الرازي الذي قال: "إن الحكمة كانت توجب أن يكون الإلهام مشاع بين الناس حتى يتساووا في المعرفة  ويتجنبوا التقليد. وهذا أفضل من أن يجعل بعضهم أئمة بعض فتصدق كل فرقة إمامها وتكذب غيره ويتخاصم الناس ويهلك بعضهم بعضا".
المتصوفة ربوبيون في جملتهم لأنهم يتذاهنون مع الحق مباشرة دون وساطات، وينقل عن إبن عربي في فصوص الحكم انه قال في الفص العاشر: "أياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه...فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها" وللجنيد قوله: "لون الماء لون إنائه" وفصله ابن عربي في قوله: "إن الإله هو عين الحق الذي يخلقه العبد في قلبه بنظره الفكري أو بتقليده وهذا الإله يتنوع حسب الاستعداد الذاتي للمحل -أي لصاحب الاعتقاد-". وسألوا إحدى المتعبدات الصوفيات: "كيف يوجد الحق" قالت: "وجدان الحق بلا كيف" لأن الكيفية تختلف باختلاف نظر الفرد للحق في قلبه. والتجربة الصوفية تجربة فردية تمثلت في أقطاب التصوف الأوائل وقد فقدت معناها حين تحولت إلى دين يجري على التقليد والدروشة مع بداية العصر العثماني.
يستنتج هادي العلوي في مداراته الصوفية عن الفص الأخير لابن عربي انه كان يقر بوجود إلهين. وهذا يذكرنا بما قال "بي.كي" في الفيلم: "إله الأديان الذي جاء بعد الانسان والذي يدخل قلوب المؤمنين لمحدوديته. والإله المطلق الذي يسبق الموجودات والذي لعدم محدوديته غاب عن الأفهام، ولم يبلغه الحرف، ولا يدركه مقام. وهو الوجود المطلق والوجود الحق بإختلاف أسماءه"


مصادر


الرحمن والشيطان - فراس السواح - فصل الغنوصيون.

شخصيات غير قلقة في الاسلام - هادي العلوي - فصل الرازي
مدارات صوفية - هادي العلوي - طبعة 1997 - ص 82


الجمعة، 27 مارس 2015

الفكر الروحاني والسلوك الروحاني





"إن التدين لا يشترط الزهد. وكان سلاطين المسلمين بعد علي بن ابي طالب متدينين ربما أكثر من علي إلا في القلة من سفهائهم كالوليد بن يزيد. وكانوا لذائذيين في نفس الوقت. كان الرشيد يصلي في اليوم مئة ركعة إضافية، وكانت صلاة النبي محمد لا تزيد على إحدى عشرة ركعة وكان يحج عاما ويجاهد عاما. والرشيد في نفس الوقت وحش جنسي وبهيمة لذائذية"

- هادي العلوي، مدارات صوفية



بين الفكر الروحاني والسلوك الروحاني بون شاسع، فإلى من يجعلون الفكر الروحاني أساسا لتقييم سلوك الإنسان.. اكتب هذه المقالة. وهي ليست لنزع هذا السلوك من فئة وجعلها في فئة. بل لتوضيح مواقعها في فئات اخرى مجهولة، ونزعها من الحصر التام.

ويبدو في التاريخ أن الفكر الروحاني كان في كثير من الاحيان ولا يزال أداة استغلال سياسي، فعندما يكون رجل دين إيراني مثل (علي رفسنجاني) ثاني أكبر مليونير في إيران ويُلَّقَب بـ"أكبر شاه"، فماذا يبقى للجياع؟ وعندما تبحث معظم وإذا لم يكن كُلَّ الحركات الأصولية في شبه جزيرة العرب عن إشباع كروشها وشهواتها فتتواطئ مع الحُكام والغرب ضد الشعب، فماذا يبقى للدين؟

ذكرت صحيفه البيان في العام ٢٠١٢ عن صحف عالمية بأن رئيس الأوروغواي (خوسيه موخيكا) الذي مسك الرئاسة من فترة  ٢٠١٠ إلى ٢٠١٤ هو أفقر رئيس دولة في العالم، فهو لا يزال يركب سيارته "الفولكس ويغن" القديمة، ويتبرع بـ ٩٠% من راتبه للطبقة الفقيرة من الشعب، وينزل الشارع بلا حرس، ويرفض السكن في قصر الرئاسة؛ على غرار الحكيم الإسلامي علي ابن أبي طالب عندما رفض العيش في قصر الإمارة مفضلاً العيش وسط احد الأحياء الشعبية.
وبعدما انتصرت ثورة الجياع ١٩٩٢م في فنزويلا عاش قائدها تشافيز كما كان قبل الثورة، وخصص برنامجاً على القناة المحلية ليظهر للشعب بنفسه ويسمع شكاواهم. 

لقد عرف حكماء اللاتينية الإمام علي دون قراءته، فهم لا يملكون فكرا روحانيا، ولكن سلوكهم يخرج من رحم المأساة وإلتزام طبقي نحو الجياع، وهذا الإلتزام إنساني لا يمتلك ثقافة روحانية.

فعندما يكون الأصوليون بعيدون عن الأصل يُغرِقون الشعوب بالحلم الأخروي، بينما يعيشون هم في النعيم المادي. أو يُلزمون العامة بالزهد والتّعبد، ويتركون الساحه مفتوحه للحاكم، وقد يتواطئون معه على العامة فيبعدونهم عن الثورة والمطالبة بحقوقهم المادية، كما حدث في كثير من مواضع التاريخ الاسلامي والمسيحي.
فعندما يعجز الدين عن الثورة يتحول الى أفيون، كان هدف الانبياء اجتماعي انساني في جملتهم، واصبح الهدف منه فكري احترابي، فجعلوا غاية الدين العبادة، بينما أرادها الأنبياء وسيلة تهذيبية أسمى من الفرض نفسه.
وهذا لا يعني ان رجال الدين لم يخوضوا النضال ضد الحكام والاستعمار في جغرافيتنا العربية فهناك ثورة العشرين في العراق وثورة الخميني في ايران، ولا يخفى ان افضل مقاومة في الوطن العربي اليوم هي التي يقوم بها حزب الله، ضد المشروع الصهيو-امريكي.
ولكن هذا المقال يعطي للروحانية مفهوم اوسع من مفهومة الفكري، وهو السلوك الذي على اساسه نقيم الإنسان.